للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الجاه والنفوذ، المال وأكل مال الأوقاف وأموال اليتامى. كما اشتهر معظمهم بالجهل لأحكام الدين وإصدار الأحكام جزافا.

وكانت الخطابة هي الوظيفة الثالثة في الأهمية، وكانت مقاييسها صعبة لأن الجمهور يشترك في الحكم على الخطيب بخلاف المفتي والقاضي اللذين يتوليان وظيفة سياسية - دينية. ومن شروط الخطيب الفصاحة وجودة الصوت وسعة الاطلاع والجرأة الأدبية. ومن الطبيعي ألا تكون هذه هي كل الشروط التي وضعها الجاحظ للخطيب، ولكن في الجزائر العثمانية كان يكتفي ببعضها على الأقل. وكان الخطيب يؤدي صلاة الجمعة وصلاة العيدين، وأحيانا يجمع إلى ذلك الصلوات الخمس. فهو بذلك إمام أيضا. غير أن بعضهم كان يقوم بالإمامة في جامع والخطابة في آخر، كما كان سعيد قدورة في أول الأمر. وكان العلماء يتنافسون على وظيفة الإمامة والخطابة كما يتنافسون على الإفتاء والقضاء. وكان بعض الخطباء لجرأتهم وفصاحتهم وصلتهم بالجمهور يثيرون خوف الحكام فيحذرون منهم. وقد يبثون حولهم العيون إذا تكاثر الناس من حولهم. وقد يعزلونهم أو ينقلونهم إتقاء لشرهم، كما وقع لقرباش أفندي، خطيب الجامع الجديد. وهناك خطباء يفخمون الخطبة ويجعلون لها شأنا عظيما وسمعة كبيرة، مثل مصطفى بن عبد الله البوني. وهناك العييون والخجلون الذين يهينون الخطبة وينفرون الناس من سماعها. ونفهم من ابن المفتي الذي عالج هذا الموضوع أكثر من غيره فيما نعلم، أن محمد خوجة بن مسلم قد صان الخطبة وجعل لها شأنا بالبقاء في داره بدل الجلوس في المقهى، كما كان يفعل بعض من سبقه (١). ولأهل الحي دور في اختيار الخطيب، فهم الذين يرشحون للباشا من استحسنوا صوته وفصاحته وعلمه وأخلاقه ليكون خطيب جامع حيهم. وليس هناك سلطة للمفتي على الإمام والخطيب. ومتى عزل؛ وتخلى عن الخطابة والإمامة يعود العالم إلى عمله الأصلي وحياته العادية كبقية الناس.


(١) نور الدين عبد القادر (صفحات)، ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>