للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المغرب أكثر من مرة مبعوثا من باشوات الجزائر إلى سلاطين المغرب لتحديد الحدود وتأمين العلاقات بين البلدين. وقد صادف الخروبي في المغرب استقبالا حافلا وكان ذلك في القرن العاشر. وتتحدث الأخبار أيضا عن سفارة قام بها القاضي محمد القوجيلي إلى إسطانبول سنة ١٠٦٥. ونحن إذا كنا لا ندري الآن فحوى هذه المهمة بالضبط فإن القوجيلي قد جاء على لسانه أنه ذهب إلى إسطانبول مقر الخلافة في شأن (الأهوال) التي مرت بها الجزائر عندئذ (١). ومن أشهر السفارات التي قام بها العلماء بسفارة محمد بن العنابي إلى المغرب الأقصى عقب حملة أكسموث الإنكليزي سنة (١٨١٦) ١٢٣١، حين أرسله عمر باشا لطلب المعونة العسكرية من السلطان سليمان. كما أننا نعرف أن ابن العنابي قد قام بغارة أخرى إلى إسطانبول سنة ١٢٣٢، ولعلها كانت لنفس الغرض الذي ذهب من أجله إلى المغرب (٢).

لقد كان العلماء يعيشون في دائرة اجتماعية ضيقة. فهم قبل كل شيء يعتبرون أهل حضر يسكنون المدن ويفكرون بالمادة ويتعلقون بالمصالح التي تدر عليهم المال والجاه. وكانت لديهم مشاعر الترفع على علماء الريف (٣). حقا ان عددا منهم قد جاء من الأرياف كجبل زواوة وميلة ونقاوس والونشريس وغيرها. غير أن العائلات الحضرية العريقة كانت تعارض تولي علماء الريف الوظائف الكبيرة، وكان هذا واضحا في قسنطينة وتلمسان. أما في العاصمة فقد كان الأمر يختلف لأنها كانت مدينة مفتوحة كما أشرنا


(١) (ديوان ابن علي) مخطوط. والغالب أنه يشير بذلك إلى آثار ثورة ابن الصخري ومنازعات الأوجاق على السلطة.
(٢) لم تكن ظاهرة استخدام العلماء في السفارة خاصة بالجزائر، فقد كان سلاطين آل عثمان يفعلون ذلك. ومن العلماء المغاربة الذين قاموا بالسفارة الوزير الغساني في القرن الحادي عشر وأحمد الغزال في القرن الثاني عشر. ومن زعماء تونس إبراهيم الغرياني ومحمد تاج العارفين في القرن الحادي عشر.
(٣) ساق ابن حمادوش في رحلته مثالين على الأقل على غرور علماء الريف في نظره في علمهم وضحالة معلوماتهم بالمقارنة إلى علماء المدن. وكان ابن حمادوش من علماء الحضر. كما يجد المرء في كتاب أبي راس لمحات من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>