للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصر والأضواء الطبيعية النافذة إليه، والهدوء التام الذي يسوده رغم وقوع القصر قرب شوارع المدينة المزدحمة وضجيج الأسواق. ويرجع ذلك إلى أن القصر ليس له نوافذ تطل على المدينة. وقد اعتبره هذا الكاتب رمز الحياة الإسلامية في قسنطينة (١).

وحين تحدث شيربونو عن هذا القصر قال في شيء من التشفي إن صاحبه قد سكنه بضعة أشهر فقط، مرة باشا ومرة سجينا. وقد نقل لنا البيتين اللذين وجدهما منقوشين بخط مشرقي (ديواني؟) على هذا القصر وبطريقة فنية تجلب النظر، وهما:

لمالكه السعادة والسلامة ... وطول العمر ما سجعت حمامة

وعز لا يخالطه هوان ... وأفراح إلى يوم القيامة (٢)

ومن الذين دخلوا القصر (١٨٣٧) واعتبروه تحفة من بقايا ألف ليلة وليلة، الفنان الفرنسي هوراس فيرنيه الذي سبقت إليه الإشارة والذي رسم معركة احتلال قسنطينة بعد أن دفعت له الحكومة نفقات السفر والإقامة. وقد عده حلما من الأحلام الشرقية، ربما لأن فيرنيه نفسه كان يبحث عن الشرق في الجزائر. وقد أعجب بالزخارف العذبة والمنسجمة، وأعجب أيضا بالمرمر الأبيض والرسومات الملونة بالألوان الأكثر حيوية وحياة، وهي تدل على ذوق راق. وكان فيه على عهده الفوارات والمياه الجارية من عيون تظللها أشجار البرتقال وغيرها (٣).

والواقع أن فيرو هو الذي خص قصر الحاج أحمد بدراسة مفصلة بعد منتصف القرن الماضي. وكان ذلك بعد أن حدثت القصر أمور منها الإطاحة بعشرات المنازل القريبة منه لتوسيع المدينة ومذ الطريق الوطني. ومنها إقامة نابليون الثالث فيه أربعة أيام أثناء زيارته لقسنطينة سنة ١٨٦٥. والجديد الذي


(١) ديتسون، مرجع سابق، ص ٢٦٥ - ٢٦٧.
(٢) شيربونو، مرجع سابق، ص ١٣٤.
(٣) شارل فيرو (مونوغراف قصر الحاج أحمد) في مجلة (روكاي)، ١٨٦٧، ص ٥ - ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>