للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان العلماء يترددون على الجزائر ويعملون فيها حتى قبل مجيء العثمانيين. فقد نزلها علماء الأندلس قبل نكبة ٨٩٧ (١٤٩٢) وبعدها (١). ورافق بعض العلماء الحملات العثمانية على سواحل المغرب العربي، كما رافقوا الباشوات الذين عينوا من إسطانبول لإدارة البلاد وتمثيل السلطان. وكان بعض هؤلاء العلماء موظفين رسميا كالقاضي الحنفي. ولكن بعضهم كان يأتي بدون تعيين. فهو باحث عن الفرص والمال أو عن نشر العلم والطرق الصوفية. وكان بعض العلماء يتعاطون أيضا التجارة في بلدانهم فجاؤوا إلى الجزائر إما للاستمرار في التجارة وإما للتدريس بدلها. ولم يكن كل العلماء الذين وردوا على الجزائر على جانب كبير من العلم والنزاهة فقد كان فيهم المغامر والانتهازي ودعاة المذاهب السرية. وكان بعضهم قد استقروا في الجزائر ولم يعودوا إلى بلدانهم. فقد كانوا يتزوجون ويظلون مع أزواجهم وأطفالهم حتى بعد الانتهاء من الوظيفة التي عينوا للقيام بها - وقد ذكر ابن المفتي عددا من هؤلاء. ومن العلماء القادمين على الجزائر من لم يكن عالما بمعنى الكلمة وإنما كان في ركاب أهل العلم كالخطاطين والنساخين والوراقين وغيرهم. وقد ذكرنا بعضهم فيما مضى (٢).

وقد ظل بعض رجال العلم العثمانيين يأتون إلى الجزائر حتى بعد تقادم العهد. ففي النصف الثاني من القرن الحادي عشر ورد على الجزائر في ظروف غامضة أحد القضاة، وهو القاضي المولى علي، الذي يبدو أنه كان يتمتع بشهرة دينية واسعة، حسب رواية الفكون. فقد قال عنه إنه جاء إلى قسنطينة زمن السلطنة الأحمدية (أي السلطان أحمد ١٠١٣ - ١٠٢٧) فهرع إليه عسكرها وواليها وعظموه تعظيما لا نظير له. ونزل هذا القاضي عند الفكون باعتباره (شيخ الإسلام) في قسنطينة. وكانت له مكتبة ضخمة ينقلها معه، وله مشاركة في علوم كثيرة, ومن قسنطينة توجه القاضي إلى مدينة


(١) عن هجرة العلماء المسلمين قبل العهد العثماني انظر الفصل الأول من هذا الجزء.
(٢) انظر فقرة المكتبات من الفصل الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>