للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينكرها العلماء الورعون قطعا. وعندما سمع علماء المغرب بما كان يفعل الفاسي في قسنطينة اعتبروه (خارجيا) وادعوا أنه يقول الشعر في سب آل علي بن أبي طالب (١).

وكانت كلمة (الفاسي) و (السوسي) قد شاعت في كتب التراجم المؤلفة في الجزائر خلال العهد العثماني. ومن ذلك محمد الفاسي الذي نزل أيضا قسنطينة وادعى أنه عالم بالفرائض والأسطرلاب فأنزله بعض علمائها مدرسة العائلة وبدأوا يأخذون عليه العلم فإذا هو عاجز لا يكاد يعرف شيئا. ومحمد السوسي الذي قدم أيضا من فاس، حسب ادعائه، ونزل أولا مدينة قسنطينة بعد رحيل محمد التواني عنها، ثم توجه إلى الجزائر، ومدح الباشوات ومن دونهم لكي ينال منهم الحظوة ووظيفة الفتوى. وقد تداخل هناك في السياسة وقال شعرا في باشا الوقت. وقيل إنه كان قبل ذلك يتزي بزي الأعراب ويتظاهر بأشياء غريبة هي أقرب إلى الدروشة منها إلى العلم. وكان قد جاء بقصد القراءة على علماء البلاد، فإذا به، وقد ساعده أولو الأمر، يصبح من المدرسين والمثقفين (٢).

ولكن ليس كل من اسمه الفاسي كان على النحو الذي ذكرنا. فقد ورد على الجزائر من فاس علماء كان وجودهم بها خيرا وبركة، وكانوا في مهمات نبيلة. ومن هؤلاء عبد القادر بن أحمد بن شقرون الفاسي. فقد مر بالجزائر أثناء الحج ولقي بعض علمائها وتبادل معهم الرأي في بعض المسائل العلمية أمثال خليفة بن حسن القماري الذي لقيه في بسكرة سنة ١١٩٣، وقد اشتهر الشيخ خليفة بنظمه لمختصر خليل. وكان من عادة القماري الخروج من قريته


(١) انظر قصته في (منشور الهداية)، مخطوط. ولا ننسى ما قلناه من أن أحكام المعاصرين على بعضهم يجب أن تؤخذ بحذر.
(٢) نفس المصدر. وقد توفي محمد السوسي في الجزائر أثناء محاولته الحصول على وظيفة سامية. والظاهر أن وجوده بالجزائر كان أوائل القرن الحادي عشر. وليس غريبا أن يكون أمثال (السوسي) و (الفاسي) قد جاؤوا إلى الجزائر لبث مذاهب وأفكار معينة ولكنهم تغطوا بشتى الأغطية حتى لا تدركهم الأبصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>