للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القهوة والدخان، ولم تكن هذه القضية خاصة بعلماء الجزائر وإنما ساهم فيها هؤلاء كغيرهم من علماء المسلمين، فألفوا فيها وتناقشوا حولها وانتصر بعضهم لحليتها وبعضهم لتحريمها، وكان معظمهم ميالا إلى حلية القهوة وتحريم الدخان، وعللوا حلية القهوة تعليلا صوفيا فقالوا انها تنبه وتنشط الجوارح لعبادة الله وتساعد على السهر للقراءة والصلوات ونحوها من أنواع العبادة. ثم إنها في نظرهم لا تسكر ولا يغيب معها العقل، وحذروا مع ذلك من شربها في جماعة التقت على اللهو، والسهر في الملذات والزهو، فشربها عندئذ يصبح حراما. أما الدخان فقد كانوا معه غير متسامحين مهما كانت الظروف. ومع هذا المنع القاطع فالمعروف أن الناس كانوا يشربون القهوة بحضور النساء والمرد، كما يقول الورتلاني ويلعبون الشطرنج ويتناولون الحشيشة ويستمعون إلى الغناء والطرب (١). وكان العثمانيون قد جاؤوا بالنرجيلة وشاع استعمال السبسي للدخان ونحوه، وعرف عن علماء مصر أنهم كانوا متساهلين في شرب الدخان بينما كان علماء الجزائر محافظين. وقد كان أرباب السلطة مع العامة لا مع العلماء في هذه القضية (٢).

ومهما كان الأمر فقد كتب في تحريم الدخان أحمد المقري وعبد الكريم الفكون وعبد القادر الراشدي وأحمد البوني، وهم جميعا من كبار العلماء. أما المقري فلم يفرده بتأليف وإنما ذكره ضمن جواب له عن اجتناب الدخان (٣). وقد سمى الفكون تأليفه في ذلك (محدد السنان في نحور إخوان الدخان) (٤). أما كتاب الراشدي في نفس الموضوع فلم نطلع عليه ولم


(١) الورتلاني (الرحلة)، ٢٧٣.
(٢) جاء في كتاب جوزيف بيتز (حقائق)، ١٥٧ أن الترك في الجزائر كانوا يدخنون كثيرا وأنهم كانوا يعرفون أنه مخالف للشرع حتى أنهم يعتبرون التوقف عن التدخين قربة وتوبة إلى الله.
(٣) المكتبة الملكية بالرباط رقم ٧٥٧٩ مجموع.
(٤) العياشي (الرحلة) ٢/ ٣٩٦. وسنتحدث عن (محدد السنان) في الجزء الثاني إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>