للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معينة احتراما لهم. وإذا هرب منهم أحد الجناة إلى قبة أو ضريح ولي فإن اللاحقين به يتوقفون عند ذلك ولا يتابعونه. وهناك كرامات وعقوبات تروى ضد من خالف هذا التقليد. من ذلك ما روى عن كرامة محمد الهواري ضد مصطفى بوشلاغم باي وهران بعد فتحها الأول، الذي أمر أحد جنوده بإلقاء القبض على شخص لجأ إلى قبة الهواري فانتفخت بطن الجندي، وعاد الإسبان إلى وهران في عهد بوشلاغم أيضا (١). ومن الأحداث التاريخية المعروفة أن الباشا عطشى مصطفى قد هرب، عندما شعر بالخطر، إلى ضريح المرابط ابن علي مبارك بالقليعة لينجو بحياته من مطارديه، ولكن أعداءه عرفوا هدفه فأغلقوا باب الضريح في وجهه إلى أن وصل المطاردون له وقتلوه خنقا. وقد ذهب أحد كبار العثمانيين إلى أحد المرابطين وشاوره في أمر الاستيلاء على السلطة في الجزائر فاقترح عليه أن يتصدق بخمسين دولارا وأن يذبح أربع شياه ويوزعها على الفقراء ثم يتوجه إلى مدينة الجزائر (وكان عندئذ خارجها) ووعده بالفوز في مهماته. فأخذ هذا المسؤول، بعد أن فعل ما أوصاه به المراد، برنس المرابط معه معتقدا أنه سيحميه من كل شر. ومع ذلك فإنه حين وصل قصر الباشا ألقي عليه القبض وأعدم (٢).

لذلك كان العثمانيون يتقربون إلى المرابطين بشتى الوسائل كبناء المشاهد والزوايا والوقف عليها. وقد عرف عن الباي محمد الكبير أنه اعتنى ببناء مشهد الولي محمد بن عودة والولي أحمد بن يوسف (٣). وله غير ذلك من الآثار الدينية التي مرت بنا. وهناك عدد من الباشوات الذين كانوا


(١) جاء في رحلة ابن زرفة أن المسلمين كانوا يعرفون أنه لولا دعوة الهواري لما أخذ الاسبان وهران، ولذلك كانوا عند الفتح الثاني يقرأون مدة شهر لسيدي الهواري ويطلبون منه الرأفة. انظر (الرحلة القمرية) في هوداس، (المجموعة الشرقية)، الجزائر، ١٩٠٥، ١٠١.
(٢) جوزف بيتز (حقائق عن الدين والعادات عند المسلمين)، انكلترا، ١٧٠٤، ١٥٤.
(٣) ابن سحنون (الثغر الجماني)، مخطوط، ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>