للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معينة جزءا من جزية أهل الذمة إلى الأشراف والعلماء والمرابطين (١).

وكان بعض المرابطين والدراويش بدورهم يرشون الولاة ونحوهم ليسكتوا عن ابتزازهم لأموال الناس والتعدي على الحرمات والأعراض. فقد روى أن المرابط قاسم بن أم هانئ كان له رعايا وأتباع كثيرون في قسنطينة ونواحيها وكان له (فقراء يرقصون ويشطحون ولعابهم يسيل، وربما يتضاربون). وقد قيل عنه إنه أنكر التأثير لله وادعى أنه هو الذي يملك التصرف. وكان أصحابه يدفعون الرشى إلى الحكام (٢). وكان الشيخ طراد في عنابة صاحب طريقة ولما توفي تولاها ابنه ودخل في خدمة الأمراء وصار يعطيهم الجبايا والخراج للاستعانة بهم على الفريق الذي يعارضه (٣).

ومن جهة أخرى كان الشيخ أحمد بوعكاز قد انتصب الاتخاذ الطريقة والشيخوخة وإعطاء العهد وإقامة الحضرة وقد جاءته الناس بالجبايا من شرق قسنطينة وغربها من إبل وشاه وخيل وبقر حتى صار أهل قسنطينة يقصدونه في ركب، نساء ورجالا، حاملين إليه ما استطاعوا من الرغيف إلى الكساء. وكان بوعكاز يدعي أنه يولي الخطط المخزنية لأرباب الدولة أو ينتزعها منهم. فكان أهل هذه الخطط يعطونه لكي يوليهم المناصب كقائد جيش قسنطينة وغيره. (وهذه عادته وعادة أمثاله) فهو وأمثاله كانوا يقولون أرسلني الأولياء لأحفظ المكان أو أنا شاوش الصالحين (٤). وهكذا يظهر أن العلاقة كانت وطيدة بين المسؤولين العثمانيين وبعض المرابطين والدراويش. وكل طرف كان يستفيد من الآخر.

ولا شك أن هذا الصنف من المرابطين لا يمثل المتصوفين الحقيقيين.

ذلك أن من سمات المتصوف والزاهد والمرابط الحقيقي الابتعاد عن الدنيا


(١) ديفوكس (التشريفات)، ٣٩, ٥١.
(٢) الفكون (منشور الهداية)، مخطوط.
(٣) نفس المصدر. والغالب أن الشيخ طراد كان من أتباع الطريقة الشابية.
(٤) نفس المصدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>