للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله والقرب منه ليس هو التوسط بالشيخ واتخاذ الحضرة والجذب والكرامة وما إلى ذلك مما كان شائعا في عصره، ولكنه هو اتباع الكتاب والسنة وإجماع الأمة. فقال ان الرجل الصالح هو المواظب على الطاعات والمتجنب للنواهي البعيد عن المتشابه، وهو الذي يكثر من ترديد اسم الله، العارف بالله وبأحكامه، المتبع للمندوبات بعد الواجبات. فهذا الشخص، في نظره، هو الجدير بأن يقصده الإنسان بالأخوة وطلب صالح الدعاء منه (ولا عليك بعد ذلك منه ظهرت عليه كرامة أم لا، كان رفيع القدر أو خامله، فإن أولياء الله متفاوتوا (كذا) الحال في الدنيا، وأما من كان على خلاف ذلك أو بعضه فيجب هجرانه لله خصوصا الطائفة أهل الحضرة المخالطين للظلمة) (١). وفي نظر الفكون ونظر من نقل عنهم كالطرطوشي والبسطامي وزروق والغزالي والأخضري، أن البدع تعتبر خروجا عن الدين وأن التكسب باسم الدين يعتبر جناية لا ولاية (٢).

وقد جاءت آراء الفكون في البدع الصوفية بعد أن أثمرت مدرسة محمد السنوسي وأحمد الملياني ومحمد بن علي الخروبي وأضرابهم أوضاعا معينة من التصوف والولاية حتى أصبح كل شيخ مجذوب يعتبر بركة وصالحا، وكل درويش مغفل يعتبر وليا وصاحب كرامات، وكل مستغل للعامة باسم الدين ومتقرب للسلطة باسم الطريقة يعتبر قطبا تأتيه الجبايات ويقصده الناس بالرشى والقرابين ويقصده الحكام بالعطايا والهدايا. وفي ضوء هذا الوضع كتب ابن صعد (النجم الثاقب) وتبعه ابن مريم في (البستان) والبطيوي في (مطلب الفوز) والصباغ في (بستان الأزهار) وابن سليمان في (كعبة الطائفين). وهؤلاء المؤلفون يعتبرون من مثقفي العصر وأصحاب التفكير والرأي، فما بالك بالعامة وأشباهها. فإذا كان المثقفون ينسبون معظم


(١) نفس المصدر، وهو يعني (بأهل الحضرة) منحرفة الصوفية الذين ذكر منهم عددا وفضح سلوكهم.
(٢) قارن مقالة الفكون في هذا الصدد بمقالة أبي الحسن الصغير الذي رد عليه محمد السنوسي. انظر الفصل الأول من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>