للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جغرافيا أيضا. وفي فاس لا نعرف أن التجاني قد اشتغل بالعلم العملي. ذلك أنه ظل، كما تروي المصادر، يحوم هنا وهناك ويتلقى الأوراد والأذكار أكثر مما كان يتلقى العلوم الشرعية والأدبية واللغوية. فقد أخذ عن الشيخ الطيب الوزاني شيخ الطريقة الطيبية أوراد هذه الطريقة، كما أخذ عن الشيخ محمد بن عبد الله التزاني المشهور بالريف مبادئ الطريقة الناصرية. ولقي أيضا الشيخ أحمد الصقلي وغيره من (الأقطاب والأولياء) وتبرك بهم.

وبعد فاس قضى التجاني فترة غير قصيرة يتردد على الصحراء وتلمسان. فقد بقي في (الأبيض سيدي الشيخ) خمسة أعوام يتعبد عند ضريح سيدي الشيخ المتبرك به لأن التقاليد تذهب إلى أن سيدي الشيخ كان من نسل أبي بكر الصديق (رضي الله عنه). كما زار التجاني عين ماضي مسقط رأسه، ولكن لم يمكث فيها طويلا، فهو فيها معروف ولم يكن فيها من العلماء والصلحاء من كان يبحث عنهم. لذلك توجه إلى تلمسان التي بقي بها أيضا حوالي خمس سنوات (١١٨١ - ١١٨٦)، ولكن تلمسان القرن الثاني عشر لم تعد هي تلمسان القديمة، فالعثمانيون كانوا يسيطرون عليها، وأحوالها العلمية والدينية لم تعد ترضي الطموحين أمثال أحمد التجاني. لذلك تاقت نفسه إلى الحج فمر بزواوة حيث أخذ الطريقة الخلوتية على محمد بن عبد الرحمن الأزهري كما أشرنا، وتوقف في تونس ومصر وأخذ عن بعض صلحائهما. وبعد حوالي سنتين في المشرق عاد التجاني إلى تلمسان التي كان يتردد بينها وبين فاس. ثم انعزل عن المدن تماما حين ذهب إلى توات وأبي سمغون. وفي الأخيرة استقر نهائيا بعد قلق وتجوال. ولكن بايات وهران لاحقوه ونغصوا عليه حياته هناك أيضا فاتجه إلى فاس سنة ١٢١١ بأهله. وقد رحب به السلطان سليمان وأحضره مجلسه وأعطاه دارا كبيرة وراتبا. وقد اشتكى التجاني إليه من (جور الترك وظلمهم) (١)، وظل في فاس إلى أن أدركته الوفاة سنة ١٢٣٠.


(١) الناصري (الاستقصا) ٨/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>