للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيفة من نشاط الطرق الصوفية عموما. ذلك أن ظهور الطريقة الطيبية في المغرب وعلاقتها السياسية بالحكم هناك، كذلك ظهور الطريقة الدرقاوية وامتداد نشاط الطريقتين إلى الجزائر وتردد التجاني بين فاس وتلمسان والصحراء، كل ذلك قد أثار مخاوف العثمانيين في الجزائر. وقد حاولوا وقف نشاط الطريقتين الأوليين اللتين كان عدد من علماء الجزائر قد انضم إليهما. كما حاولوا ضم عين ماضي والأغواط وغيرهما إلى إقليم وهران. لذلك توجه الباي محمد الكبير في حملته المعروفة إلى عين ماضي وقاد حربا هناك ضد أتباع التجاني. كما شملت حملته عدة مدن وقرى صحراوية كالأغواط وشلالة، وعاد من هناك منتصرا (١).

ويذكر محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي في رحلته أن أحمد التجاني قد ورد عليهم في المغرب رافضا سكنى بلده ومطلقا زوجه فيها وأنه كان (منزعجا من بعض أمراء الترك بالجزائر). وقال الدرعي انه قد تذاكر معه في ذلك فوجده من انزعاجه وسخطه يرى (تحريم التدريس) في هذا الزمن لذهاب شرطه وهو الامتثال، وتطهير الباطن كالظاهر وتحسين النية. وقد حاول الدرعي إقناعه بأن الأمر عكس ما يراه وأن الناس في ذلك الوقت أحوج إلى التدريس من أي وقت آخر، لأن الجهل عام، وأنه لو أخذ الناس برأيه لانقرض العلم (٢). وتظهر من هذا السياق العلاقة بين التجاني والعثمانيين وموقف التجاني من نشر العلم في ذلك الوقت. فهو، خلافا للمرابطين الآخرين المؤسسين للطرق الصوفية، كان متوسط الثقافة ولم تكن دراسته بالجزائر والمغرب والمشرق تتعدى، كما يظهر من سيرته، حفظ القرآن


(١) انظر أحمد بن هطال (رحلة الباي محمد إلى الصحراء) تحقيق محمد بن عبد الكريم، القاهرة، ١٩٦٩.
(٢) مصادر الطريقة التجانية وحياة الشيخ التجاني كثيرة، وقد عدنا إلى عدة مصادر، منها كتاب الكتاني (سلوة الأنفاس) ١/ ١٨٠، وإلى كتاب عباس بن إبراهيم (الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام) ٥/ ١٩٨. ومن أشهر مصادرها كتاب (الكناش). وعن مصادرها أيضا انظر الأجزاء اللاحقة من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>