للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلادهم. فكانوا إذا حلوا بالمغرب أو بتونس، بمصر أو بالحرمين، بالشام أو العراق ٠ يتتلمذون على أكابر العلماء إلى أن ينالوا منهم سعة الاطلاع والتعمق في المعارف ويحصلون منهم على الإجازات في مختلف العلوم، وخصوصا علم الحديث وكان علماء الجرائر بدورهم ينشرون هذا العلم عن طريق الإجازة ونحوها بالشروط المعروفه لديهم عندئذ. وبذلك ساعدوا من جهتهم على نشر علم الحديث وأظهروا العناية به. وقد ساعدتهم في ذلك قوة الحافظة التي أشرنا إليها. وهكذا فعل كبار علماء الجزائر أمثال عبد الكريم الفكون وابن العنابي وعلي بن الأمين وعيسى الثعالبي، وأحمد البوني، وأحمد بن عمار وأبو راس الناصر ويحيى الشاوي.

ولم يكن الحديث يدرس لذاته فقط بل كان يدرس أيضا للعمل به في مجالات المعرفة المختلفة. فالحديث قبل كل شئ مصدر من مصادر التشريع الإسلامي. وفي ضوء ذلك عمد الجزائريون إلى دراسة الطب النبوي وسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة، وما إلى ذلك من القضايا التي تضمنها الحديث. فقد ألف محمد بن علي بن أبي الشرف التلمساني كتابا كبيرا في أجزاء جرده من كتاب الشفا للقاضي عياض سماه (المنهل الأصفى في شرح ما تمس الحاجة إليه من ألفاظ الشفا) كما قام بشرح ما أخذه من الشفا. وكان المؤلف قد أخذ الشفا إجازة عن ابن غازي بفاس سنة ٩١٣. وبعد أن تشبع بالثقافة الجزائرية والمغربية توجه ابن أبي الشرف إلى المشرق حيث كان موجودا بمكة المكرمة سنة ٩٣٠، ومن هناك انقطعت عنا أخباره فلعله ظل مجاورا بالحرمين إلى أن أدركته الوفاة في تاريخ ما زلنا نجهله. وطريقة الشرح التي اتبعها ابن أبي الشرف ليست جديدة، فهو يعمد إلى شرح الألفاظ التي انتقاها من الشفا شرحا لغويا ثم دينيا، ولكن بأسلوب سهل واضح (١).


(١) اطلعنا على نسخة الخزانة العامة بالرباط، ك ٣٤٠. وتوجد منه نسخة أخرى في المكتبة الوطنية بالجزائر، رقم ٢١١٣ وهناك نسخة أخرى منه مأخودة عن خط مؤلفه بالزاوية الحمزية بالمغرب رقم ٤٦٨. وتاريخ النسخة ٩٧١. انظر (مجلة تطوان)، ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>