للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتبعا لانتشار المذاهب الإسلامية والمبالغة في التصوف شاعت في الجزائر أيضا تفسيرات كثيرة تتخذ علم الكلام منطلقا لها. فبالإضافة إلى ذات الله وصفاته درس علماء الكلام إيمان العالم وإيمان المقلد، واختلفوا حول ذلك، كما اختلفوا حول تعلق قدرة الله تعالى بالحيز أو لا. فهذا محمد البوزيدي، أحد علماء قسنطينة في القرن الحادي عشر (١٧ م) كان، كما يقول الفكون، صاحب دعوة كبيرة في علم الكلام. فكان يدرس عقائد السنوسي ومختصر ابن الحاجب الفقهي. وكان يقول بأن (المقلد غير مؤمن وأن العامة مختلف في إيمانها) كما كان يقول إن (قدرة الله لا تتعلق بتحيز الجوهر). ويبدو أن البوزيدي لم يكن وحده في هذا التفسير، فقد أكد الفكون أن (هذا مذهب سرى في جل أهل المغرب سريان النار في الهشيم) (١). ولا ندري من أين جاء هذا المذهب إلى أهل المغرب، ولكن من المؤكد أنه ليس مذهبا جديدا.

سيطرت إذن مؤلفات محمد السنوسي في التوحيد سيطرة تامة على الدارسين لهذا العلم طيلة العهد العثماني. ولم يكن ذلك مقصورا على الجزائر وحدها بل تجاوزها إلى معظم الأقطار العربية والإسلامية، غير أن الذي يهمنا هنا هو سيطرة هذه المؤلفات على الدارسين في الجزائر. وأهم مؤلفات السنوسي المشار إليها هي ما يعرف بالعقائد السنوسية، وهي العقيدة الصغرى والعقيدة الوسطى والعقيدة الكبرى، ولكن أهم الجميع هي الأولى لوضوحها واختصارها، وهي المعروفة أحيانا باسم (أم البراهين). وليس معنى هذا أن العقيدتين الأخريين لم يهتم بهما الدارسون، ولكن معناه أن جهودهم قد تركزت في التدريس والشرح حول العقيدة الصغرى، ويليها العقيدة الوسطى فالكبرى. فأنت لا تكاد تجد عالما خلال هذا العهد لم يدرس لطلابه (صغرى السنوسي)، كما كانت تسمى، أو يتناولها بالشرح والتحشية وأحيانا بشرح المشروح وتحشية المحشى. وقد كثرت هذه الشروح


(١) (منشور الهداية)، كلمة (هشيم) مكتوبة في الأصل (العجم) وذلك سبق قلم، كما يقولون.

<<  <  ج: ص:  >  >>