للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مكانته العلمية. ولكن هذا لا يكفي في نظرنا. فالشاوي كان من الجزائر وهي كانت تتبع السلطنة العثمانية وكان يعرف الكثير عن أحوال الجزائر والمغرب العربي السياسية والعلمية، فإكرامه والحديث إليه وإنزاله تلك المنزلة ليست لشخصه فقط بل لأمور أخرى وراء ذلك. ولعل الأيام تكشف هذه الأمور. والمعروف أن الشاوي قد أكرم في غير إسطانبول بعد زيارته لها امتدادا للعناية الرسمية به. أما في دمشق فيبدو أن احترامه كان قائما على علمه وأن الذين اتصلوا به واتصل بهم هم العلماء وليس الأمراء. واعترافا من الشاوي بفضل السلطان محمد عليه جعل أحد كتبه في النحو باسم هذا السلطان (١)، وهو التأليف الذي قرظه له أيضا شيخ الإسلام المنقاري وبعض العلماء الآخرين.

حج الشاوي سنة ١٠٧٤ كما عرفنا، ثم سمي أمير ركب الحجيج المغاربة. وذهب عدة مرات مع قافلة الحجيج إلى مكة (٢). وفي إحدى هذه المرات حضره أجله، وهو في سفينة الحجاج، سنة ١٠٩٦، وكان ذلك في أخريات أيامه كما يقول المحبي. فقد اختار أن يسافر إلى الحج بحرا فأدركته الوفاة وهو في بحر القلزم (البحر الأحمر) ودفن برأس أبي محمد. ثم جاء به ولده، عيسى الشاوي، إلى مصر ودفنه في مقبرة المالكية، وهي المقبرة التي كان يحيى الشاوي نفسه قد جددها (٣). والغريب أن الذين ترجموا للشاوي لم يتحدثوا عن أسرته. فهل جاء بها من بلاده؟ أو تزوج بمصر أو غيرها كما فعل زميلاه المقري والثعالبي؟


(١) حكم السلطان محمد بين ١٠٥٩ و ١٠٩٩.
(٢) القادري (نشر المثاني) ٢/ ٤٥٢ (الترجمة الفرنسية). وفيه أن وفاة الشاوي كانت سنة ١٠٩٧، ولعله كان يقود الركب المغربي أكثر من مرة، يقول العياشي (وترقت به (يعني الشاوي) الحال إلى أن تولى إمارة ركب الحاج المغربي فحج به مرتين).
(٣) (خلاصة الأثر) ٤/ ٤٨٦، وكذلك تعليق لمحمد مرتضى الزبيدي وجدته على إحدى مخطوطات زاوية طولقة، تناول فيه باختصار حياة الشاوي، وجعله (شيخ مشائخه)، ويذكر المحبي أن الوفاة قد أدركت عيسى الشاوي أيضا ستة أشهر فقط بعد أبيه، وأنه دفن مكانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>