للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجد بايا من البايات قد خطب في رعيته يستحثهم على عمل أو يثير حماسهم لفكرة. كان الباشوات والبايات يتوارون عن الناس فلا يحدثونهم ولا يخرجون إليهم، فقد يبقى الحاكم ما يبقى فلا يعرف الناس وجهه ولا شكله ولا يسمعون له صوتا ولا يخرج إلا غازيا أو إلى قبره، بعد أن يكون خصومه قد تخلصوا منه سريا بالخنق ونحوه، حتى التولية والعزل لا يعرف المواطنون عنها شيئا ولا شأن لهم بهما، فتولى الباشا أو الباي أو عزلهما كان يتم في الخفاء وبلغة لا يفهمها الشعب ولا يعرفون أن الأمر قد انتهى بحل من الحلول إلا براية ترفع وأخرى تخفض، فالكلمة السياسية إذن لم تكن معروفة في الجزائر العثمانية، فما بالك بالخطبة في هذا الميدان.

أما صلة الوصل بين الحاكم والشعب فاثنان: الجندي الجاهل بسلاحه المرعب وقسوته المتناهية وشرهه الذي لا يعرف الحدود، والمرابط الذي كان يقوم غالبا بدور المسكن للخواطر والجالب للرعية نحو الحاكم بأساليبه الصوفية والدينيا المتعارف عليها. وبالإضافة إلى ذلك كان هناك بعض شيوخ القرى وقواد النواحي، ولكن حظ هؤلاء كان في أغلب الأحيان هو الجمع بين قسوة الجندي وحكمة المرابط. حقا إن المصادر تحدثنا أن بعض البايات قد استخدموا الطلبة في المناسبات الحربية وجعلوا على الطلبة بعض القضاة والعلماء وكونوا بذلك فرقا محاربة ضد العدو، بينما كان دور القضاة والعلماء هو الإشراف والقيادة والتوجيه المعنوي والإثارة، فهل كان هؤلاء العلماء القواد يخطبون على جنودهم الطلبة في الميدان ليحرضوهم على القتال؟ ذلك ما لا تحدثنا عنه المصادر الموجودة، ولكن أغلب الظن أنهم كانوا يفعلون ذلك (١).


= نسبوا إليه أيضا الأصل العربي والدم النبوي فقالوا إنه كان قرشيا هاشميا تزلفا وتملقا، بينما كان هو من أتراك أناضوليا، كما عرفنا، ولكن هذا لا يعني عدم تدينه وحبه لأهل التصوف، وهو أمر أخذه عن والده، واستفاد منه هو أيضا سياسيا.
(١) انظر فصل التاريخ من هذا الجزء، سيما وصف ابن زرفة وابن سحنون للجهاد ضد الإسبان في وهران.

<<  <  ج: ص:  >  >>