للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومناقبه (١)، وعندما كتب عن الفكون قال عنه إنه مائل إلى التصوف (ونعم ما فعل). لذلك يظهر لنا أن ما كتبه عنه معاصره الفكون من نقد في السلوك الديني والاجتماعي لا يتماشى مع الواقع، وأن الفكون قد بالغ في حكمه على صديقه، حقا إن المقري لم يكن متصوفا ولكنه كان من علماء السنة العاملين، كما رأينا.

ولا شك أن النثر الفني قد تقدم على يدي المقري في وقت كادت لا تكتب الأقلام غير شروح الفقه ومنامات التصوف، وكان وراء المقري تراث من أسرته، فجده، محمد المقري، شيخ ابن خلدون، كان من المؤلفين الأدباء البارزين، وهو صاحب كتاب (بلوغ الآراب في لطائف العتاب) الذي ما يزال مخطوطا. وعمه، سعيد المقري رغم عدم شهرته بالتأليف، كان شاعرا وأديبا رقيقا، ومدرسا من الدرجة الأولى كما عرفنا (٢)، وكانت تلمسان على عهده بقايا من تقاليد العهد الزياني التي احتفي بها أحمد المقري في (أزهار الرياض) بذكره أخبار أبي حمو وغيره. كل ذلك كان يمده بتجربة جيدة في الصياغة النثرية والأساليب الأدبية، وفي فاس وجد المغاربة والأندلسيين يذكرون عهود الشباب الأدبي في الفردوس المفقود وأبطاله كابن الخطيب فكانت هذه المدرسة المغربية - الأندلسية هي التي أثرت وأثمرت على أحمد المقري، وهي المدرسة التي بدأ بها (أزهار الرياض) الذي خص به القاضي عياض ثم نقلها معه إلى المشرق، فوجد أن الأساليب هناك قد دخلتها العجمة منذ سقوط بغداد، فإذا به يتألق وسط الكتاب، ويأتي في ذلك بالعجب العجاب. فالمقري إذن يعتبر مجددا ناقلا المدرسة الأندلسيه من المغرب العربي إلى المشرق العربي، وهذه الزاوية من مساهمته ما تزال، حسب علمنا، غير مدروسة أيضا. ولولا خوف الإطالة، ولولا أن بعض كتبه مطبوع ومتداول لأتينا على نصوص من نثر المقري الذي سحر به المشارقة (٣).


(١) (نفح الطيب) ٩/ ٣٤٢ - ٣٥١.
(٢) ترجمنا لسعيد المقري في فصل التعليم من الجزء الأول.
(٣) إلى الآن لا نعرف من عثر عر كتبه (الغث والسمين والرث والثمين) أو (البدأة =

<<  <  ج: ص:  >  >>