للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهجون ويمدحون (١)، وقد وقف أبو راس موقفا شبيها بذلك، إلا أنه كان أقل حماسة للشعر الفني من زميله، لأنه هو نفسه كان ضعيف الشعر، فأبو راس هو القائل، نقلا عن الجامعي (وما في الملحون من بأس، فإنه في هذا العصر لسان الكثير من الناس) (٢).

وهكذا طغى الأدب الشعبي على الأدب الفني في العهد العثماني،

وكان الذين يمثلون الأدب الأخير قلة وسط كثرة، وعندما حل الفرنسيون بالجزائر نشروا من الشعر الشعبي نماذج متعددة وترجموها في مجلاتهم، لأنها في نظرهم تساعد على فهم ظروف العهد العثماني ولغة السكان وعلاقة هؤلاء بالحكام العثمانيين. حقا ان الشعر الشعبي قد سجل كثيرا من الحوادث السياسية والعسكرية كما كان سجلا للنبض الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وبذلك يمكن القول من الناحية التاريخية أنه كان أشمل وأقرب إلى الحقيقة من الشعر الفني، فبينما كان الشعر الفني شعر بلاط أو شعر نفس مهزومة أو شعر مدائح نبوية ونحوها، كان الشعر الشعبي يدون ما يجري في جميع المستويات تقريبا، ويصف ردود الفعل بآلة تسجيل أمينة، غير أن قارئه وإن وجد فيه الفعل ورد الفعل فإنه لن يجد فيه المتعة الروحية ولا الجمال الفني الذي يجده في الشعر الفصيح، ولا سيما إذا بعد العهد. ذلك أن لكل فترة مفاهيمها اللغوية وتعابيرها في الأدب الشعبي، وليس الحال كذلك بالنسبة للفصيح.

خاض الشعر الشعبي إذن عددا من الأغراض: هجومات الأجانب على الجزائر والانتصار عليهم، حالة السكان الاقتصادية والمعاشية، والأزمات الاقتصادية والنكبات الطبيعية، أحوال التصوف والمتصوفين، رثاء رجال الدين ورجال السياسة، ونحو ذلك من الأغراض. كما أن الشعر الشعبي قد


(١) ابن سحنون (الثغر الجماني) مخطوط باريس، ورقة ١٦، ورأيه هنا جدير بالدراسة
من مؤرخي النقد الأدبي.
(٢) أبو راس مقدمة شرح (العقيقة) مخطوط، باريس، ورقة ٢، وقد سبق أن أشرنا إلى
رأي الورتلاني في الشعر أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>