للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخلاقهم ووظائفهم، وقد ذكر أصل وظيفة الفتوى عموما، وفتوى الحنفية خصوصا، وذكر قائمة المفتين المالكية والحنفية، وفصل القول في بعضهم مثل عائلة قدورة (سعيد، ومحمد، وأحمد، وصهرهم عبد الرحمن المرتضى الخ)، وأوضح ما بين هؤلاء العلماء من تحاسد وصراع على الوظيفة، وما هناك من مؤامرات يسندها إلى بعض أساتذته وكبار المتصلين بهم، ولكنه كان ينصف المظلوم في أحكامه ويظهر الحقيقة الخفية، وهو الذي ذكر الخلاف الشديد الذي وقع بين محمد بن ميمون وابن علي ومحمد بن سيدي هدى ضد ابن نيكرو، وكيف تجادل المفتي الحنفي والمفتي المالكي في عهده حتى انتهى الأمر إلى تدخل الباشا وعزل المفتي الثاني، ووصف من كان في مستوى المسؤولية المسندة إليه ومن كان دونها، وكان كثير النقد شديد الملاحظة، معتمدا على مصادر قلما يحصل عليها غيره، بل كان يتدخل أحيانا في الحياة الخاصة للعلماء ليقدم صورة واضحة عنهم، فقد ذكر أن أستاذه محمد بن نيكرو كان يعاني من زوجه التي لم تكن أم أولاده ومن ابنه الأكبر، كما ذكر أن أستاذه عمار المستغانمي كان خطيبا عييا وأنه كان يعاني من زوجه التي كانت تكثر من الضيفان حتى افتقر ولم يعد يملك سوى القميص الذي يلبسه وكثرت عليه الديون.

كل الذين اطلعوا على تقييدات ابن المفتي حكموا بأن صاحبها قد قام بعمل هام لم يسبق إليه. فهو أولا كان رجلا واعيا مسؤولا عما يقول، وكان، كما يقول ديلفان، مستقل الفكر لا يقبل أي معلومات بدون مناقشة، وكان يرد الحكايات والخرافات غير المقبولة، بل كان يحاول أن يرد الإنسان المتهم ظلما إلى مكانه الحقيقي، وأخبر ديفوكس أن ابن المفتي كان في عمله مخلصا وجادا وأنه جمع معلومات هامة عن العصر وأهله لا تتوفر في غير كتابه، وأنها معلومات لا يمكن أن تكون مختلقة، ولذلك اعتمد عليه في وصف المفتين رغم أنه عادة لا يثق فيما كتبه الجزائريون، أما نور الدين فقد أعجب بالفوائد الجمة التي يجنيها قارئ كتابه لتفاصيلها عن حياة العلماء والأعيان خصوصا.

والواقع أن ابن المفتي، الذي لا نعرف حتى الآن اسمه الحقيقي، قد

<<  <  ج: ص:  >  >>