للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه محشو كفرا تزل فيه الأقدام، فيجب التحذير منه ..) (١).

وقد لاحظ العلماء أنفسهم ظاهرة ضعف العناية بالحساب والفرائض، فقد ذكر عبد الكريم الفكون، وهو يتحدث عن ابن نعمون وولديه، أن (معهم معرفة مبادئ الفرائض قسمة، وبعض مسائل وصايا الصحيح، ومناسخات دون ما عدى ذلك من أبوابها ومشكلاتها لانقراض العلم في كل الأقطار فيما أعلمه، اللهم إلا ما شذ) (٢). ولا يشير الفكون بعبارة (كل الأقطار) إلى الجزائر وحسب، ولكن إلى ما يعرفه من البلاد الإسلامية. حقا إننا نجد أحد العلماء يبرع في الحساب فيلفت النظر إلى نفسه لحاجة الناس إلى هذا العلم في التجارة وفي الوصايا والتركات ونحو ذلك. فعبد الكريم الفكون نفسه يشير إلى براعة أبي الحسن الغربي في الحساب والتعديل (٣). كما أن ابن مريم قد ذكر أن محمد عاشور السلكسيني كان ماهرا في الحساب والفرائض (٤). ولكن معظم ما كان يدرسه العلماء عندئذ في هذا العلم هو تلخيص ابن البنا المراكشي ومؤلفات القلصادي. فإذا زاد أحدهم شيئا عن ذلك فمن باب المهارة الشخصية وليس من باب الدرس والتحصيل.

لذلك لاحظ الأجانب أيضا ضعف علم الحساب والفلك وما إليهما في العهد العثماني. فقد أخبر الدكتور شو، الذي عاش فترة طويلة في الجزائر، أن العلماء هناك كانوا لا يعرفون إلا قليلا من الحساب، وأن الآلات الحاسبية، مثل الأسطرلاب، كان ينظر إليها نظرة فضولية لا عملية. كما لاحظ أن الجبر والحساب العددي لم يكونا معروفين لشخص واحد من بين عشرين ألف نسمة. فالتجار كانوا، كما لاحظ، يحسبون بالأصابع. ومع ذلك فالمفروض أن العلماء وأمثالهم يدعون معرفة أسرار الحروف والأعداد


(١) ابن حمادوش (الرحلة)، وهو يشير إلى (كتاب الدول) للملطي الذي قال عنه إنه رتبه على عشر دول، مبتدئا بآدم ومنتهيا فيه إلى أوائل القرن السابع.
(٢) (منشور الهداية)، ٦١.
(٣) نفس المصدر، ٢٩.
(٤) (البستان)، ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>