للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويوفرون لهم المسكن والمأكل، ويعلمونهم مجانا، وكان التعليم نفسه عموميا.

وهذه الظاهرة كانت عامة، كما لاحظها مختلف الكتاب، ونعني ظاهرة انتشار الكتابة والقراءة وحفظ القرآن في المدن والأرياف على السواء، حسب برنامج موحد يقوم على دراسة العلوم الإسلامية باللغة العربية. ولاحظ أحد الضباط الفرنسيين أن منطقة ميزاب كانت تتبع نفس المنهج وبحماس كبير حتى أنه لا يوجد إلا عدد قليل جدا هناك لا يعرف القراءة والكتابة. وقال أن أعمال الحساب عندهم منتشرة حتى أن تجارهم في مدن التل يقومون بالحسابات في سجلاتهم دون وسائط. والتعليم عندهم يجري في المساجد على يد (الطلبة) أيضا. وكل مدينة لها جامع خاص بذلك. لكن السكنى للطلبة كانت في أماكن مخصصة لهم خارج المسجد، والطلبة (المعلمون) لا يأخذون أجرا من أولياء التلاميذ، وكل أجورهم يأخذونها من الأوقاف. وتوزع مداخيل الوقف نوعا لا نقدا (١). هذا عن التعليم الابتدائي، أما الثانوي فيحصلون عليه في المساجد الكبيرة بالدروس العامة المتطورة أو بالهجرة في سبيل العلم إلى مناطق أو بلدان أخرى.

فإذا كان حال العلم غداة الاحتلال هو الازدهار والانتشار والاحترام، فأين هو بعد ربع قرن من ذلك؟ لقد أهمل الفرنسيون التعليم في المدن والأرياف، على السواء، لأسباب مختلفة منها اغتصاب موارده، وكثرة الحروب، ومشاركة الطلبة في واجب الجهاد. وبعد ضعف التعليم بل نكاد نقول انهياره في المدن على إثر الاحتلال، بقي التعليم في الزوايا والمعمرات، فخرج إليها التلاميذ واغتربوا فيها طلبا للعلم والمقاومة الثقافية. وبعد نجاح الاستعمار في التوغل في الريف أيضا ومراقبة المعلمين


(١) كوين Coyene، في المجلة الإفريقية R.A.، ١٨٧٩، ص ٢٠٠. والمعروف أن منطقة ميزاب كانت إلى سنة ١٨٨٢ محمية وغير محتلة، ومن ثمة فإن التعليم فيها عندئذ كان ما يزال يسير حسب التقاليد الإسلامية ولم تتأثر الأوقاف بالمصادرة إلا بعد ١٨٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>