للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقاص -رضي اللَّه عنه- ليكون الخليفة، فرفض هذا الأمر تمامًا، ودعا عليهم، وكان مستجاب الدعاء (فما مات أحدهم ميتةً طبيعة بعد ذلك)، فذهبوا إلى عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، فرفض أيضًا، فولىّ أهل الفتنة أحد قتلة عثمان الإرهابي (الغافقي بن حرب) أميرًا على المدينة، واستمر الحال على هذا الأمر خمسة أيام، فخاف الصحابة أن يولي المنافقون القتلة أحدَهم لمنصب الخلافة، فيضيع بذلك الإسلام، فسارع الصحابةُ إلى علي -رضي اللَّه عنه- ونبّهوه لخطورة الموقف، وأن الإسلام مهدد، وأنه وحده من يمكنه إنقاذ الإسلام من أولئك السفلة، ووقالوا له: "إن لم تكن أميرًا، فسوف يجعلون الأمير منهم. أنت أحق الناس بهذا الأمر فامدد يدك نبايعك" وبعد شدٍ وجذبٍ أدرك علي -رضي اللَّه عنه- خطورة الموقف، فقبل الإمارة على مضض.

وبالرغم من أن عليًا قد أصبح خليفة للمسلمين، إلا أن الأمر لا زال بيد المتمردين الذين يحملون السلاح حتى هذه اللحظة، وهم أكثر عددًا، وعدّة من أهل المدينة. وفي هذا الوقت يذهب طلحة والزبير -رضي اللَّه عنهما- إلى علي -رضي اللَّه عنهما- بوصفه خليفة المسلمين ويقولان له: دم عثمان! فهما -رضي اللَّه عنهما- يريدان منه -رضي اللَّه عنه- أن يقتل من قتل عثمان -رضي اللَّه عنه-. فقال لهما: إن هؤلاء لهم مددٌ وعونٌ وأخشى إن فعلنا ذلك بهم الآن أن تنقلب علينا الدنيا. وكان تفكير علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن ينتظر حتى تهدأ الأمور ويتملك زمامها جيدًا، وبعدها يقتل قتلة عثمان بعد محاكمتهم بشكل عادل، فلما سمع طلحة والزبير -رضي اللَّه عنهما- ذلك من علي -رضي اللَّه عنه-، قالا له: ائذن لنا بالعمرة، فأذن لهما، فتركا المدينة، وتوجها إلى مكة ومكثا فيها وقتًا. وفي هذا الوقت وصلت رسالة الصحابية نائلة بنت الفرافصة -رضي اللَّه عنها- إلى معاوية -رضي اللَّه عنهما- في الشام كما أسلفنا، فعلم بخبر قتل ابن عمه عثمان -رضي اللَّه عنه-، ووصله القميص، وأصابع وكف السيدة نائلة، وقالت له السيدة نائلة -رضي اللَّه عنها- في الرسالة التي بعثت بها إليه: إنك ولي عثمان بصفته ابن عمه، لذلك عرض معاوية على علي ابن أبي طالب أن يبايعه، واشترط عليه أن يأخذ بثأر عثمان -رضي اللَّه عنه-، وأن يقتص من قاتليه، وإن من لم يفعل ذلك، فقد عطّل كتاب اللَّه، ولا تجوز ولايته حينها! فكالت هذا اجتهاده -رضي اللَّه عنه-، ووافقه على هذا الاجتهاد مجموعة من كبار الصحابة، منهم قاضي قضاة الشام أبو الدرداء -رضي اللَّه عنه-، وعبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- وغيرهما، والحقيقة أن هذا الأمر، وإن كان اجتهادًا، إلا أنهم قد أخطأوا في

<<  <   >  >>