للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبضة الفرنسيين سنة ١٨٨١ م إثر مناوشات قبلية حدودية بين تونس والجزائر اتخذتها فرنسا ذريعة لاحتلال تونس ومن ثم إعلان الحماية عليها في الثاني عشر من مايو سنة ١٨٨٢ م، وعلى إثر ذلك عينت فرنسا فرنسيًا مستعربًا يدعي (لويس ماشويل) رئيسًا لإدارة المعارف وأطلقت يده في البلد فاستولى على كل ما له علاقة بالتعليم والثقافة، ليغير نظام التعليم الإسلامي في "الجامعة الزيتونية"، ويضع قوانين تقدم الفرنسية على العربية في مناهج التدريس، فأوقف بذلك النهضة العلمية في الزيتونة التي كانت قد جمعت آنذاك بين العلوم الشرعية والعصرية. ثم قامت فرنسا بتقييد الحريات المدنية للتونسيين، وحولت الإدارة إلى النظم الفرنسية وجعلت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية في البلاد، وأهملت المؤسسات التي خطت خطوات متقدمة في الطريق إلى الحضارة والعمران كـ "الزيتونة" و"مدرسة باردو الحربية" التي جمعت بين العلوم العسكرية والهندسية والرياضية، وكان غياب (خير الدين التونسي) عن تونس مؤثرًا في الروح المعنوية لأهلها، فقد استقال من الوزارة قبل الاحتلال الفرنسي لتونس وصار صدرًا أعظم -رئيسًا للوزراء- في الدولة العثمانية وبقي عندها برز إلى الساحة (الشيخ سالم بوحاجب) و (البشير بن مصطفى صفر) فأسسا معًا جمعية سموها "الحاضرة" وأصدروا جريدة أسبوعية لها الاسم نفسه، ومن ثم أسَّسا "المدرسة الخلدونية" سنة ١٨٩٦ م. وفي تلك المدة برز الشيخ (عبد العزيز الثعالبي) الذي ولد سنة ١٢٩٣ هـ، ١٨٧٤ م في تونس، وهو من أصول جزائرية، فاهتم به جده المجاهد (عبد الرحمن الثعالبي) الذي قاوم الفرنسيين في الجزائر، فقام على تعليمه وتحفيظه القرآن ومبادئ النحو والعقيدة. ولما تألف في تونس "الحزب الوطني" الذي كان أول حزب يطالب بتحرير تونس سنة ١٨٩٥ م انضم إليه الثعالبي، قبل أن يؤسس بنفسه "الحزب الوطني الإسلامي"، فأسس جريدة "سبيل الرشاد" التي استمرت عامًا قبل أن توقف، وهنا رأى الثعالبي أن تونس ضاقت عليه فقرر الخروج منها، فخرج منها إلى عاصمة الخلافة "إسطانبول" عن طريق اليونان وبلغاريا فوصلها سنة ١٨٩٨ م وتحدث مع رجال الدولة العثمانية وناقشهم في القضية التونسية، ثم عاد إلى تونس فوصلها سنة ١٩٠٢ م بعد أن بقي أربع سنوات خارجها، فوجد أن الفرنسيين قد شجعوا الفكر الصوفي بما يحمله من خمول ودروشة، فأخذ الشيخ الثعالبي يقاوم أفكار هذا الفكر المصطنع، ويدعو الناس إلى دعاء اللَّه وحده وترك التبرك بالقبور والأولياء الأحياء منهم والأموات، فرأت فرنسا

<<  <   >  >>