للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بينهما، وأما علم التفسير فكان يورده ويناسقه نسقًا بديعًا.

وله تفسير سلك فيه سبيل التحرير، تكلم عليه لفظة لفظة، ووقع الكلام بينه وبين الشيخ عز الدين بن عبد السلام إمام مصر في زمنه على التفسير طلب أن يقف على شيء منه فلما وقف عليه قال أين قول مجاهد؟ أين قول ابن عباس؟ أين قول قتادة؟ وكثر القول في مثل هذا ثم قال: يخرج من بلادنا، فلما بلغ كلامه الشيخ قال هو يخرج ويقيم عبد اللَّه فكان كذلك، وله تقدم في علم الحديث وعلو سند، وله تقدم في العربية نحوًا ولغة وأدبًا، له فيه التآليف الحسنة والشعر الرائق، وفي علم الفرائض ما لم يسبق إليه.

وأما علم التصوف فهو الإمام فيه ولعمري ما رأيت مثل كتابه الوافي في الفرائض، وكان أحسن الناس خلقًا، قال: أقمت في مجاهدة النفس سبعة أعوام حتى استوى عندي من يعطيني دينارًا أو يزدريني، وكان زهده حقيقًا ظاهرًا وباطنًا، أصبح ذات يوم لا شيء لأهله، وكانت جاريته أم ولده تسمى كريمة سيئة فاشتدّت عليه في الطلب وأن الأصاغر لا شيء لهم قال لها: الآن يأتي من قبل الوكيل ما نتقوت به فبينما هما كذلك إذ الحمال يضرب الباب بشكارة قمح فقال لها يا كريمة ما أعجلك أهذا الوكيل بعث بالقمح فقالت: ومن يصنع؟ فأمر فتصدق به وقال لها: يأتيك ما هو أحسن منه فانتظرت يسيرًا وبدالها فتكلمت بما لا يليق، فبينما هم كذلك فإذا بحمال شكارة سميد فقال لها: هذا سميد أيسر وأسهل من القمح فلم يقنعها ذلك فأمر بصدقته أيضًا، فلما تصدقت به زادت في المقال، وإذا برجل على رأسه كاملي (١) فقال لها: يا كريمة قد كفيت المؤنة علم الوكيل بحالك.

ومن كراماته أيضًا أن بعض طلبته اجتمعوا في نزهة وأخذوا حليًا من زينة النساء فزينوا به بعضهم ثم جاءوا بعد لمجلس الشيخ، فتكلم الذي في يده الحلى وأشار بيده، فقال الشيخ: يد يجعل فيها الحلى لا يشار بها في الميعاد.


(١) في نفح الطيب: وإذا برجل على رأسه طعام.

<<  <   >  >>