للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

محله اللسان فيجب كون اللسان محل ضده الذي هو الذكر، فيكون حقيقة فيه، قال أبو عبد اللَّه: فسكت عن مراجعته تأدبًا معه، وقد علمت أن الصمت إنما ضده النطق لا الذكر، فلما جاء في الغد جلس في موضعه فقام نقيب الدولة فأجلسه بجنب ابن عبد السلام بأمره بذلك، فلما فرغ من القراءة قال: أنت أبو عبد اللَّه الشريف؟ قال نعم فأكرمه، فكان يجلس بجنبه وكان يقرأ على الشيخ في داره، ولقي أكابر التونسيين بمجلسه فتعجبوا منه فكل يوم يزداد عندهم جلالة، ثم رجع لبلده فدرس العلوم وأحيا الشريعة.

كان من أحسن الناس وجهًا وقورًا مهيبًا، ذا نفس كريمة وهمة نزيهة رفيع الملبس بلا تصنع، سري الهمة بلا تكبر، حليمًا متوسطًا في أموره قوي النفس مؤيدًا بطهارة، ثقة عدلًا ثبتًا سلم له الأكابر بلا منازع، أصدق الناس لهجة وأحفظهم مروءة، مشفقًا على الناس رحيمًا بهم يتلطف في هدايتهم ويعينهم بجهده، حسن اللقاء كريم النفس طويل اليد، يعطي نفقات عديدة ذا كرم واسع وكنف لين وصفاء قلب.

دخل عليه طالب فصيح فأعطاه وفرًا، ثم دخل عليه مرة بفاس فسأله عن حاله، فذكر له أنه قرأ القرآن بالقرويين فما أعطاه أحد شيئًا فتأسف الشيخ لحاله، ففي الغد بعث أربعة من طلبته بأربعة قراطيس دراهم وقال لهم احضروا مجلسه فإذا قرأ فارموا القراطيس بين يديه ففعلوا فأخذها الطالب ودعا لهم، فعرف الناس حاله فانثالت عليه العطايا.

وسأله السلطان يومًا عن مسألة ابن الحاجب الأصلي فقال له: إنما يفهم هذه المسألة الطالب الفلاني وكان محتاجًا، فطلبه السلطان فقيل: إنه بسجلماسة فوجه لعاملها أن يعطيه نفقة وكسوة ويوجهه فوصل في أسرع وقت، فبين المسألة بين يدي السلطان، فسئل عمن استفادها فقال: من سيدي أبي عبد اللَّه الشريف.

وكان الطلبة في وقته أعز الناس وأكثرهم عددًا وأوسعهم رزقًا، فنشروا العلم واستعانوا بحسن إلقائه وسهولة فيضه وحلاوته، مع بشاشة لا يؤثر على

<<  <   >  >>