للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو صريح في أن ابن مسعود يرى أن قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} عام في كلِّ شيء، مع أن السياق يقتضي أنه خاص بالفيء، ولاسيما والإيتاء والأخذ يناسبان ذلك، لأنَّ حقيقة الإيتاء: الإعطاء الحسِّي، والأخذِ: الأخذُ الحسِّي.

ومما يدل على العموم مقابلة الإيتاء والأخذ بالنهي والانتهاء.

فيقال: لو أراد الإيتاء والأخذ الحسِّيَّين لقابلهما بالمنع والامتناع بأن يقول: وما منعكموه فامتنعوا.

وقد يقال: إن المراد: وما نهاكم عن أخذه بغير إذن أو عن سؤاله إياه.

ولا يصح أن يقال: لعل ابن مسعود لا يرى العموم في الآية وإنما استدلاله بها على سبيل القياس، أي إذا ثبت وجوب طاعته في خصوص الفيء بأخذ ما آتى والانتهاء عما نهى عنه فيقاس على ذلك بقية الأشياء؛ وذلك أن هذا القياس ضعيف، ولا حاجة للتمسك به مع وجود نصوص القرآن الصريحة.

والمقصود فهم الآية على حقيقتها، فأما الأمر باتباع الرسول وطاعته والانتهاء عما نهى عنه في كل شيء، فهو أمر ثابت مقرر، قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠]، وقال عزَّ وجلَّ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]، وقال جل ذكره: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] (١).


(١) مجموع [٤٦٥٧]. وانظر الرسالة السابعة من رسائل المؤلف في التفسير.