للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧)} [الواقعة: ٣٥ - ٣٧] " (١). فالمرأة قد كانت قرأت الآية وفهمتها، وبايعت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على التوحيد وغيره على أن لها الجنَّة، وعرفت ذلك يقينًا، ولكنَّها لمَّا سمعت ما يُوهم أنها لا تدخل الجنَّة انزعجت فغفلت عن ذلك كلِّه.

هذا، ومن الحكمة في هذه الأمثلة ونحوها مع ما فيها من حُسن الخُلق وملاطفة الأمة= تعليمُهم وإرشادهم إلى التؤَدة وتدبُّر الكلام، وترك الاستعجال المُوقِع في الغلط.

ومن هذا الضرب ــ فيما يظهر ــ قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لأزواجه: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا" (٢) لأن طول اليد وإن كان حقيقة لغوية في الطول الحسّي لهذه الجارحة، إلا أن هناك ثلاث قرائن تصرف عنه:

الأولى: أن طول اليد الحقيقي ملازم عادة لطول القامة، وكنَّ يعرفن أن أعضاءهن متناسبةٌ، وعليه فلو أراد الحقيقة لقال: "أطولكن" واقتصر عليه؛ لأن زيادة "يدًا" عبثٌ.

الثانية: أن سرعة اللحاق به فضيلة ثوابية، ومن عادة الشريعة ترتيب الفضائل الثوابية على الفضائل العملية، لا على الصور الخَلْقية.

الثالثة: أن إخبار الشارع عن الغيوب المستقبلة يغلب فيه عدم التصريح.


(١) أخرجه الترمذي في "الشمائل" (٢٤٠) وغيره من مرسل الحسن البصري. ويشهد له مرسل مجاهد عند الطبري في "تفسيره" (١٦/ ٤٢٩) وغيره، ومرسل سعيد بن المسيب بإسناد صحيح عند هنَّاد في "الزهد" (٢٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٢٠) ومسلم (٢٤٥٢) من حديث عائشة رضي الله عنها.