للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إثبات الاختيار في الشفاعة، كما سيأتي إن شاء الله (١).

فأما الفريق الأوَّل ــ وهم أكثر أمم الشرك، كاليونان والهند والمصريِّين القدماء ــ، فكأنهم قاسوا الملائكة على البشر، فرأوا أنه كما أن البشر يتصرَّفون في الدنيا بالقدرة التي خلقها الله عزَّ وجلَّ لهم باختيارهم وإرادتهم يستطيع كلٌّ منهم نفع غيره وضرَّه في دائرة قدرته المحدودة، فالملائكة كذلك، إلا أن قدرتهم أعظم.

قالوا: وكما أن الإنسان يتذلَّل لإنسانٍ آخر إذا احتاج إليه، ويسأل منه أن ينفعه أو يدفع عنه الضرَّ، وإن كان البشر لا يستطيعون نفع مَن يريد الله تعالى ضرَّه ولا ضرَّ مَن يريد الله عزَّ وجلَّ نفعه، [٤٦٠] فكذلك نتذلَّل نحن للملائكة وندعوهم؛ لأنا محتاجون إليهم لينفعونا أو يدفعوا عنا الضرَّ، وإن كنا نعلم أن الملائكة لا يستطيعون نفع مَن يريد الله تعالى ضرَّه، ولا ضرَّ مَن يريد الله تعالى نفعه. وإذا جاز الأوَّل فجواز الثاني أولى؛ لأن قُدَر البشر متقاربةٌ، وقدرة الملائكة أعظم من قدرة البشر، فأما إذا كان المقصود من التذلُّل للملائكة ودعائهم أن يعينوا على ما هو خيرٌ وطاعةٌ لله عزَّ وجلَّ فلا شبهة في أن ذلك يكون عبادةً لله عزَّ وجلَّ.

وقد أدحض الله تعالى شبهة هؤلاء وبرهن على بطلان ما زعموه، بقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، وقد تقدَّم إيضاح ذلك، فارجع إليه (٢).

وأما الفريق الثاني، فمنهم مشركو العرب؛ فإنهم كانوا يعترفون بأن الله


(١) انظر ص ٣٥٦ - ٣٦١.
(٢) ص ١٢٩ - ١٣٠ [المؤلف]. ص ٣٤٩ - ٣٥٠.