للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدون هدًى من الله، فيجعلون الشرع تبعًا لأهوائهم وسُلَّمًا لشهواتهم، وينظرون إلى البدع الناشئة عن الاختلاط بالأجانب، فيأخذون على عاتقهم نصرتَها بتأويل أدلة الشرع إليها، إلى غير ذلك من المفاسد التي لا تخفى على أحد.

وكلُّ أحدٍ لا يخفى عليه أن تقليد أحد الأئمة الأربعة أقربُ إلى دين الله تعالى من سؤال أحد هؤلاء المنتحلين للاجتهاد على هذه الصفة.

* يقول عبد الله المفتقر إليه: هذا الكلام صحيح، فإنا لا نعلم الآن على ظهر الأرض من يصحُّ منه دعوى الاجتهاد إلّا أفرادًا معروفين، وأما من ينتحل الاجتهاد لأغراضه (١)، بل لخدمة شهواته وهواه فهذا أضرُّ على الدين من غلاة المقلِّدين، فإن المقلدين إنما أُتُوا من الغلوّ في حسن ظنِّهم بالأئمة الأعلام، حتى أدَّاهم ذلك إلى تقديم قولهم على أدلَّة الكتاب والسنة، ظنًّا أنهم اطلعوا عليها، وإنما خالفوها لما هو أقوى منها كما مرَّ بيانه. وأما هؤلاء المنتحلون فإنما يتخذون انتحال الاجتهاد وسيلةً لأغراضهم وأهوائهم.

وهذا الأمر هو الذي غرَّ بعضَ صالحي المقلِّدين حتى ذهب إلى سدِّ باب الاجتهاد، وإن لم يُوفَّق للصواب في ذلك، لأن الأرض لا تخلو من قائم لله تعالى بالحجة، وحجة الله تعالى بكتابه وسنة رسوله باقيةٌ إلى يوم القيامة. وإنما الواجب أن يُميَّز بين المُحِقِّ والمُبْطِل، فلا ينبغي أن يُدْفَع الباطل بوجهٍ يقتضي دفع الحق، كيف وهو إذن باطل مثله يحتاج إلى دفع، ومع ذلك فهو غير مستحق أن يظهر عليه؛ لأن الله تعالى إنما وعد الحقَّ بالظهور على


(١) هكذا استظهرنا الكلمة، ورسمها غير واضح.