للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إما أن يكونوا قصدوا بذكرها استنجاز الوعد أو استعجال الجزاء، والأول أولى كما اختاره الحافظ، وقد يُحمل عليه كلام السبكي، فإنه قال: «ظهر لي ... » إلخ فذكر ما يفيد أنهم دعوا بذكر أعمالهم استعجالًا لجزائها، ثم قال: «ثم ظهر لي ... » إلخ فدلّ على أن الذي ظهر له أخيرًا غير الذي ظهر له أولًا، فتأمل.

والحقّ أنهم لم يطلبوا تعجيل جزائها وإنما ذكروها استنجازًا لوعد الله تعالى لعامليها بالإغاثة وإجابة الدعاء، ولذلك كان ظاهر الحديث الثناءَ عليهم، وهذا واضح جدًّا.

قال المانعون: فإن كنتم ترون أيها المجيزون في استنجاز الوعد دلالةً على التوسّل المدَّعى فما أكثر أدلّتكم! منها قوله تعالى حكايةً عن نوح: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود: ٤٥]، فإن الله تعالى أنكر عليه قوله: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} لما فيه من عدم المباينة للكافر، ولم ينكر عليه قوله: {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} مع أن المقصود به استنجاز الوعد.

ومنها حديث «الصحيحين» (١) في دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عريش بدر، ولفظه في البخاري: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك». وفي رواية مسلم: «فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على مَنكِبيه، ثم التزمه مِن ورائه، فقال: يا نبيّ الله كفاك مناشدتك ربّك، فإنه سينجز لك ما وعدك»، فأنزل الله عزَّ وجلَّ: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} الآية [الأنفال: ٩]


(١) البخاري (٢٩١٥)، ومسلم (١٧٦٣).