للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبر دانيال في زمانه بالعراق، أمر أن يُخْفى عن الناس، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده فيها شيءٌ من الملاحم".

والحاصل: أن السلف مختلفون في تفسير الآية، ولم يثبت من النقل شيءٌ تقوم به الحجة.

فالمتعيِّن علينا تحليل الآية نفسها، وإنعام النظر فيها، ليتبين الحق إن شاء الله تعالى.

قال عزَّ وجلّ: {إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ}.

فدل على تنازعٍ كان بين القوم في أمر الفتية، ولابد في التنازع من الانقسام.

ثم قال تعالى: {فَقَالُوا} فدل الإتيان بالفاء أن ما بعدها تفصيلٌ لما قبلها، وهو التنازع، وإذا كان التنازع لابد فيه من الانقسام، كان الظاهر أن يكون بعد الفاء ذِكْر قول كلٍّ من الفريقين على حِدَة، كما يقول: "تنازع الفقهاءُ هذا الحكمَ، فقال فريق: يجب، وقال فريق: لا يجب".

فلذلك تعين أن يحمل قوله: {فَقَالُوا} على أنه قول أحد من الفريقين، وأُسْنِد إلى ضمير الجمع مجازًا؛ لأن للقائلين مزية أقيموا لأجلها مقام الجميع، ويؤيد ذلك قولهم: {ابْنُوا}. فلو كان القائلون هم الجميع، لكان الأمر خلاف الظاهر، إذ هو أمرٌ لأنفسهم، ولو أريد: قال بعضهم لبعض، لكان الظاهر أن يصرح به، فكأنه قال ــ والله أعلم ــ فقال الفريق المختار: {ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ}.