للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما يكون الأمر بالتسوية أمرًا بالتخفيف، إذا أُرِيد بها التسوية بالأرض، فأما تسوية القبر في نفسه، فإنها تمكن مع كثرة التراب، كما تمكن مع قِلّته.

والصحابيُّ لم ينقل لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنصِّه [ص ٤٨] حتى يسوغ لنا أن نستقلَّ بفهمه، وإن خالف فهم الصحابي، وإنما مُؤدَّى كلامه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بتسوية القبور التسويةَ المقتضية لتخفيف التراب، أي: أن بيان كون التسوية المأمور بها هي التي تقتضي تخفيف التراب مرفوعٌ تقوم به الحجة.

وقد قال الباجي في "شرح الموطأ" (١): وقال ابن حبيب: "وتسويتها بالأرض".

ويؤيد هذا ما سيأتي (٢) في حديث علي رضي الله عنه: "ولا قبرًا مُشْرفًا إلا سوَّيته".

فجعل التسوية إزالة الإشراف، والإشراف هو الارتفاع، أعمّ من كون القبر متساويًا في نفسه، أو غير متساوٍ، فالتسوية التي هي إزالة الإشراف، هي التسوية بالأرض، كما هو واضح.

[ص ٤٩] أقول: أما الآية؛ فلا يتعين فيها هذا المعنى، أعني التسوية بالأرض، بل يصح أن يكون المراد تسوية بلادهم في نفسها، أي: جعلها متساوية الأجزاء، وهذا كناية عن الخراب البالغ، فإن البلاد العامرة تكون


(١) (٢/ ٤٩٤) وقد سبق النص قريبًا.
(٢) لم يأت شيء، وإنما في المبيضة.