للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقتضيه ما لها من الأحكام.

والرفع اليسير، أو وضع العلامة له مقتضٍ صحيحٌ، وهو تمييز القبر؛ ليجتنب الجلوس عليه، والصلاة إليه، وغير ذلك. فاندفع ما قيل: إنه زائدٌ على القدر الكافي للمواراة.

ثم إن ذلك لا يضر بالمستحقين عند إرادة الحَفْر بعد البِلَى؛ لأنه أمرٌ خفيفٌ، وإن سُلِّم أنه لا يخلو عن ضرر، فإن ذلك يُغْتفر من باب دفع كبرى المفسدتين؛ لما مرّ , والله أعلم.

[ص ٥٢] وأما حديث فَضالة بن عُبيد؛ فالحق أن التسوية فيه هي تصيير القبر سويًّا، أي معتدلًا، أي: على الهيئة المشروعة في القبور، بدون زيادة ولا نقصان، ومن هذا قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} [الانفطار: ٧] أي ــ والله أعلم ــ: جعلك بشرًا سويًّا كامل الخلقة، بالنظر إلى الهيئة المشتركة بين البشر.

وكذا قوله: {الَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: ٣٧].

قال الراغب (١): السَّوِيّ ما يُصَان عن الإفراط والتفريط.

فنقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قد بين لأصحابه الهيئة التي تنبغي أن تكون القبور عليها، وبعد أن عَقَلوها أمرهم بتسوية ما يطرأ من القبور، أي: جعلها سويَّة على الهيئة التي قد علمهم إياها.


(١) في "المفردات" (ص ٤٤٠).