للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الداخلة فيها، فأمّا القوانين الشرعية فإنَّها يُؤْمَن الغلط والمَيْل والعصبية فيها، ويمتثلها

المتدينون تديُّنًا، ويقبلونها طيِّبةً أنفسُهُم منشرحةً صدورُهم؛ لأنّهم يرون القبول خيرًا لهم في دينهم ودنياهم، ويلتزمونها غالبًا بدون إلزام حاكم، لا فرق في ذلك بين قويِّهم وضعيفهم، وما فَرَضَها على الغالب بحيث يمكن تخلُّف الحكمة في بعض الجزئيات فإنّ الله عزَّ وجلَّ يُجيزُه بقَدْرِه.

والمقصود: أنّ الخلق مفتقرون إلى تلقِّي الأحكام من طريق الرب عزَّ وجلَّ، وليسوا مفتقرين إلى تلقِّي العلوم الطبيعية ونحوها.

وقد قيل في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: ١٨٩]: إنّ القوم إنّما سألوا عن الأَهِلَّة ما بالُها تبدو صِغَارًا ثم تكبر، ثم تعود فتصغر ثم تكبر، وهكذا (١)؟ فتُرِك الجواب عن هذا المعنى الطبيعي، وأُجيبوا بما يتعلَّق بالأهلَّة من الأحكام الدينية، ثم أُمِروا بأن يأتوا البيوت من أبوابها، فإذا سألوا النَّبي


(١) أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (١/ ٤٩٣)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (١/ ٢٥) من طريق السُّدِّي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه.
والأثر ضعَّف إسناده السيوطي في "الدُّر المنثور" (٢/ ٣٠٤)، وفيه محمد بن مروان السُّدي الصَّغير ومحمد بن السَّائب الكلبي، وهما ضعيفان، بل متَّهمان بالكذب، وأبو صالح هو: باذام، وهو ضعيف الحديث.
وقد قال ابن حجر في "العُجاب" (١/ ٢٦٣) عن هذا الإسناد: "سِلْسلة الكذب"!