للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعالى قد يجعل لبعض خلقه حقًّا في أن يُحمَد، فيُثني هو سبحانه عليه أو يأمر بحمده أو

يأذَن فيه.

فإن قيل: فهل يجعل الله تبارك وتعالى الحقَّ لغير المستحق؟

قلت: أما على إثبات الحكمة، فالجواب أن الله تبارك وتعالى إنما يجعل لبعض خلقه حقًّا في أن يُحمد إذا اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يجعل له ذلك، واقتضاء الحكمة لا أسمِّيه استحقاقًا.

فإن أبيتَ إلا أن تسمِّيه فهو استحقاق لأن يجعل له حقًّا أن يُحمد. وليس ذلك باستحقاق لأن يُحمد، وإنما يستحق أن يُحمد بجعل الله عزَّ وجلَّ له حقًّا؛ على أنَّ الاقتضاءَ التامَّ لا يتخلَّف عن الجعل.

وهذا كما تقول في التحريم مثلًا: إن الله تبارك وتعالى إنما حرَّم لحم الخنزير لاقتضاء حكمته تحريمَه، وإن اقتضاء الحكمة ليس هو نفسُه موجِبًا للحرمة، وإنما هو مقتضٍ لأن يحرِّمه الله، فلا يكون حرامًا حتى يحرِّمه الله عزَّ وجلَّ. ثم تقول: إنه إذا تمَّ اقتضاءُ الحكمة للتحريم، فلابد أن يقع التحريم.

ثم اختلف القائلون بهذا، فزعم بعض الناس أن الإنسان قد يدرك بعقله تمامَ اقتضاء الحكمة لتحريم شيء مثلًا، فيَعلم بذلك حكمَ الله تعالى بتحريمه، فيكون حرامًا عليه، لا لمجرد اقتضاء الحكمة، بل لقيام البرهان على أن الله تعالى حرَّمه.

وأهل الحق على خلاف هذا القول، لقول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] وغيرها من الأدلة. ووجه ذلك أن العقل البشري لا يتهيأ له إدراكُ تمامِ اقتضاء الحكمة، ولكننا نقول: إذا تمَّ