للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنصور، فناولوا حَدَثًا صبيحَ الوجه دينارًا، وقالوا له: قِفْ بإزائه ساعة وناوِلْه هذه الرقعة. فناوله الصبيُّ وإذا فيها (ما ذكره السبط مما لا حاجة إلى ذكره هنا) ثم قال: وكانوا يعطون السقَّاء قطعة يوم الجمعة، فكان يقف من بعيد بإزائه، ويُميل رأس القربة، وبين يديه أجزاء، فيبتلُّ الجميع، فتتلف الأجزاء. وكانوا يطيِّنون عليه باب داره في الليل، فربما احتاج إلى الغسل لصلاة الفجر، فتفوته ... ».

قال الكوثري: «وفي ذلك عِبَر من ناحية الخطيب وأحوال الحنابلة في آن واحد».

أقول: السبط ليس بعمدة، كما يأتي (١)؛ وابن طاهر لم يدرك الخطيب، لكن ما تضمنته القصة من تتبُّع أولئك العامة للخطيب وإيذائه يوافق في الجملة ما تقدم عن ابن الجوزي. وكذلك يوافق ما في «تذكرة الحفاظ» (ج ٣ ص ٣١٨) (٢) عن الحافظ المؤتَمَن الساجي: «تحاملت الحنابلة على الخطيب حتى مال إلى ما مال إليه».

وابن الجوزي نفسه يتألم آخر عمره من أصحابه الحنابلة حتى قال في «المنتظم» (ج ١٠ ص ٢٥٣) بعد أن ذكر تسليم المدرسة إليه وحضور الأكابر وإلقاءه الدرس: «وكان يومًا مشهودًا لم يُر مثلُه، ودخل على قلوب أهل المذهب غمٌّ عظيم». وزاد سبطه في «المرآة» عنه: «لأنهم حسدوني». قال السبط: «وكان جدِّي يقول: والله لولا أحمد والوزير ابن هُبيرة لانتقلت عن المذهب، فإني لو كنت حنفيًّا أو شافعيًّا لحملني القوم على رؤوسهم».


(١) (١/ ٢٣٢ - ٢٣٣).
(٢) (٣/ ١١٤٢).