للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي «توالي التأسيس» (ص ٨٤) (١) عن الربيع صاحب الشافعي قال: «وجَّه الشافعيُّ الحميديَّ إلى الحلقة، فقال: الحلقة لأبي يعقوب البويطي. فمن شاء فليجلس، ومن شاء فليذهب». وكان البويطي أسنَّ أصحاب الشافعي وأفقهَهم، حتى كان الشافعي يعتمده في الفتيا ويحيل عليه إذا جاءته مسألة، كما في «الطبقات الشافعية» (٢). وكان ابن عبد الحكم حينئذ فتًى ابنَ إحدى وعشرين سنة، فلم يكن قد استحكم علمُه ولا عقلُه، فمنازعته للبويطي طيشة من طيشات الشباب. وكان الحميدي أعلمهم بالحديث وأقدمهم صحبةً للشافعي، لأنه قدم معه من الحجاز إلى مصر، والباقون إنما صحبوه بمصر. والحميدي قرشي مكي، كما أن الشافعي كذلك، فهو أقربهم إلى الشافعي وألصقهم به. ولذلك ــ والله أعلم ــ لما ذهب أصحاب الشافعي في مرضه إلى الجامع تخلَّف الحميدي عنده، ثم خشي الشافعي أن يتنازعوا الحلقةَ، فأرسل الحميديَّ إليهم ليبلِّغهم عنه. فلو شكَّ ابنُ [عبد] الحكم في خبر الحميدي لكان حقُّه أن يذهب ليراجع الشافعيَّ، لكنه عرف صدقَه، فاضطرم في نفسه اليأس والحزن والغضب. فإنْ بدرت منه تلك الكلمة، فهي من فلتات الغضب كما لا يخفى، فلا يَتشبَّث بمثلها في الطعن في مثل الحميدي إلا مثلُ الأستاذ! وقد قال هو نفسه في حاشية (ص ٩٩): «وأهل العلم قد تبدُر منهم بادرةٌ، فيتكلَّمون في أقرانهم بما لا يُقبل، فلا يتخذ ذلك حجة».


(١) (ص ١٩٧). وقد طبع الكتاب بهذا الاسم وصوابه «توالي التأنيس» بالنون، كما في «الجواهر والدرر»: (٢/ ٦٨٢) للسخاوي.
(٢) (٢/ ١٦٣).