للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويحتمل هذا النهي عللًا: إحداها التنجُّس، ثانيتها التقذر، ثالثتها أن يكون عقوبة للبائل؛ لأن الإنسان إذا علم أنه إن بال في الماء حُظِر عليه الاغتسالُ منه كان مما يمنعه عن البول. وقريب منه حديث المرأة التي لعنت ناقتَها، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتخلية الناقة (١)، كأنه جعل عقوبة المرأة على لعنها الناقةَ أن لا تنتفع بها، لكي تنزجر هي وغيرها عن اللعن. فأي واحدة من هذه العلل وُجِدَت وُجِدَ النهيُ، وبذلك يساوق التعليلُ عمومَ النص. وإن كان المعنى: لا يبُلْ في الماء الدائم، فإن عصى فبال، فلا يغتسلْ منه؛ فآخره كما ذكر، وأوله كما مرَّ في حديث جابر.

[٢/ ١٨] وأما القضية الثالثة، فقد مرَّ ما يُعلم به الجواب عنها، على أن الماء إذا كان دون القُلتين بقليل، وكان في حفرة ضيقة أو حوض بقدر قعدة الإنسان إلا أنه عميق، أمكن الانغماس فيه؛ لأنه إذا قعد ارتفع الماء من الجوانب فيغمره. ومع ذلك فالاغتسال في الماء يصدُق بأن يقعد وسطَه ويغرف على نفسه. وفوق هذا، فكلمةُ "فيه" كأنها شاذة، والغالب في الروايات من ذلك الوجه وغيره كلمة "منه" (٢).

الحديث الثاني: النهي عن اغتسال الجنب فيه. وهو في "الصحيحين" (٣) عن أبي السائب "أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب". فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولًا".


(١) أخرجه مسلم (٢٥٩٥) من حديث عمران بن حصين.
(٢) انظر "فتح الباري" (١/ ٣٤٨).
(٣) أخرجه مسلم (٢٨٣). ولم أجده عند البخاري.