للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن ما أكل على وجه مكارم الأخلاق لا يكون أكلًا بالباطل. وقد أخرج ابن أبي حاتم (١) والطبراني (٢) بسند صحيح عن ابن مسعود أنه قال في الآية: إنها محكمة ما نُسِخت ولا تُنسَخ إلى يوم القيامة".

أقول: المعنى الأول مبني على أن الباء في قوله "بالباطل" للسببية، وأن الباطل ما لا يَعتدُّ به الشرعُ سببًا للحِلِّ. والمعنى الثاني مبني على أن الباء للمقابلة وأن الباطل ما لا تحقُّق له. ونسبة المعنى الأول إلى السدِّي لا أراها تصح، وإنما قال السُّدِّي كما في "تفسير ابن جرير" (ج ٥ ص ١٩) (٣): " {بِالْبَاطِلِ}: بالربا والقمار والبخس والظلم. {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً}: ليربَح في الدرهم ألفًا إن استطاع". فأول عبارته يصلح للمعنيين، وبيان صلاحيتها للثاني في القمار والبخس والظلم ظاهر؛ فأما الربا فإن مَن أقرض مائة ليقضي مائة وعشرة يأكل العشرة بما لا تحقُّق له. [٢/ ٤٨] فإن غايته أن يقول: لو لم أُقرِض المائة لعلّي كنت اتّجرتُ فيها فربحتُ، ولعل المستقرض اتجر فيها، فربح. فيقال له: هذا لا تحقُّق له. ولعلك لو لم تُقرِضها لسُرِقت منك، ولعلك لو اتجرتَ فيها لخسرتَ، مع ما يلحقك من التعب والعناء. ولعل المستقرض لم يتجر فيها، ولعله اتجر فخسر أو ذهب منه رأس المال، فإن رَبح فبتَعَبِه.

ولتمام هذا موضع آخر، وإنما المقصود هنا أن ذِكْرَ السُّدِّي للربا لا يحتِمُ أنه قائل بالمعنى الأول. وآخر عبارة السُّدِّي ظاهر في المعنى الثاني،


(١) في "تفسيره" (٣/ ٩٢٦).
(٢) في "المعجم الكبير" (١٠٠٦١).
(٣) (٦/ ٦٢٦) ط. دار هجر.