للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الأستاذ: "ولأصحابنا حجج ناهضة".

أقول: بل شبه داحضة.

قال: "وعالم دار الهجرة مع أبي حنيفة وأصحابه في هذه المسألة، ومن ظن وهنًا بما اتفق عليه إمام أهل العراق وإمام أهل الحجاز فقد ظنَّ سوءًا".

أقول: أما من اعتقد وهنَ قولِهما المخالف لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من رواية جماعة من الصحابة، وعمل به وقضى به جماعةٌ منهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يُعلم لهم مخالف من الصحابة= فإنما اعتقد ما يجب على كل مسلم أن يعتقده. فمن زعم أن هذا المعتقِد قد ظنَّ سوءًا، فقد شارف الخطر الأكبر أو وقع فيه.

ثم ذكر الأستاذ كلمة ابن أبي ذئب، وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، وقد ذكرتها في ترجمته من قسم التراجم (١).

وفي "تاريخ بغداد" (١٣/ ٣٨٩ [٤٠٥]) عن ابن عيينة قال: "ما رأيتُ أجرأَ على الله من أبي حنيفة، كان يضرب الأمثال لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيردُّه. بلغه أني أروي: "البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا فجعل يقول: أرأيتَ إن كانا في سفينة، أرأيت إن كانا في سجن، أرأيت إن كانا في سفر، كيف يفترقان! ".

قال الأستاذ (ص ٨٢): "هكذا كان غوص أبي حنيفة على المعنى حتى اهتدى إلى أن المراد بالافتراق: الافتراق بالأقوال، لا الأبدان".

أقول: مغزى تلك العبارة أننا إذا قبلنا الحديث وَرَدَ علينا أنه قد يتفق أن لا يتمكن المتبايعان من التفرق. والجواب أن الحديث قد فتح لهما بابًا آخر


(١) لم تَرِد ترجمته في قسم التراجم، ولعلها كانت في المسوّدة ثم حذفها المؤلف. وأما كلمته فستأتي قريبًا (ص ٩٣).