للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما أجد لك في كتاب الله شيئًا، وما علمت أن رسول الله ذكر لك شيئًا ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس. فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مَسْلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر).

أقول: هذه واقعة حال واحدة ليس فيها ما يدلُّ على أنه لو لم يكن مع المغيرة غيره لم يقبله أبو بكر. والعالِمُ يحبّ تَظَاهُر الحجج كما بيّنه الشافعي في «الرسالة» (ص ٤٣٢). ومما حسَّن ذلك هنا أن قول المغيرة: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس» (١) يعطي أن ذلك تكرَّر من قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد يستبعد أبو بكر تكرُّر ذلك ولم يعلمه هو، مع أنه كان ألزَمَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - من المغيرة. وأيضًا: الدعوى قائمة، وخبر المغيرة يشبه الشهادة للمدَّعِيَة.

ومع ذلك فهذا خبر تفرَّد به الزهري، عن عثمان بن إسحاق بن خَرَشة، عن قَبيصة، واحد عن واحد عن واحد. فلو كان في القصّة ما يدلُ على أن الواحد لا يكفي لعاد ذلك بالنقض على الخبر نفسه، فكيف وهو منقطع، لأن قبيصة لم يدرك أبا بكر، وعثمان بن إسحاق وإن وُثِّق لا يُعْرَف في الرواية إلا برواية الزهري وحده عنه، هذا الخبر وحده!

قال أبو ريَّة: (وقد وضع بعمله هذا أول شروط علم الرواية، وهو شرط الإسناد الصحيح).

[ص ٤٥] أقول: تلك أمانيّهم، وقد بيَّن الكتاب والسنة وجوب أن يقبل خبر العدل، وقَرَن الله تعالى تصديقه بالإيمان به سبحانه، قال تعالى في ذكر المنافقين: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة: ٦١] كلما


(١) كما نقله أبو رية. [المؤلف].