للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطاب أشكلت عليه مسائل حتى [ص ٣٠] أوصى بأنه لا يقول فيها شيئًا.

وأما العجز المطلق فهذا غير لازم، فلو أن الشافعيَّ صبَر نفسَه وداوم النظر في تلك المسائل لكان الظاهر أن يتبيَّن الراجح فيها، ولكن لم يكن هناك ما يدعوه إلى ذلك؛ إما لأن تلك المسائل لم يتفق وقوعُها حينئذٍ فليزم الشافعي أن يعمل أو يفتي أو يقضي فيها، وإمّا لغير ذلك. ودلالة عدم ترجيحه فيها على ديانته وورعه لا تخفى.

وقد جاء عن حفص بن غِياث أنه قال: "كنت أجلس إلى أبي حنيفة فأسمعه يُسأل عن مسألة في اليوم الواحد فيفتي فيها بخمسة أقاويل، فلما رأيتُ ذلك تركته وأقبلتُ على الحديث" (١).

وأجاب عنه الأستاذ ص ١١٩ بقوله: "يوجد بين الأئمة من يُروى عنه عدة أجوبة في مسألة واحدة؛ كالروايات الستّ عن مالك في المسح على الخفّين، وكالأجوبة المشفّعة في "الأم" للشافعي ... وأما مذهب أبي حنيفة فلا تجد في مسائل ظاهر الرواية إلا قولًا واحدًا منه في كل مسألة. وأما كتب النوادر فحكم مسائلها في جنب مسائل ظاهر الرواية كحكم القراءات الشاذّة ... على أن قيمة روايات النوادر تقدّر بأحوال رواتها".

كذا قال! وعليه في هذا ما لا يخفى. أما الروايات الستّ عن مالك فليست كلها في درجة واحدة، فالراجح منها واحدة، وباقيها كروايات النوادر عند الحنفية. وأما الأجوبة المشفّعة فقد مرّ الكلامُ فيها. وأما الروايات عن أحمد ففيها راجح ومرجوح، فالراجح بمنزلة ظاهر الرواية عند الحنفية، وليس في ذلك ما يدلّ على أن مالكًا أو الشافعي أو أحمد كان يقول


(١) أخرجه الخطيب في "تاريخه": (١٣/ ٤٢٥).