للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الله تبارك وتعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: ١٤].

فهؤلاء كانوا قد أسلموا طائعين، وبذلك تبين أنه ليس عندهم عناد ولا استكبار، وهذا هو الذي يمنع من الإيمان بعد الاطلاع على المعجزة القاطعة، فبان أن عدم دخول الإيمان في قلوبهم إنما هو [لأنه] لم يتفق لهم بعدُ ما يقطع الريبة، كالمعجزة القاطعة. ومع ذلك لم يذمهم الله عز وجل على الإسلام قبل التيقن، بل وعدهم بأن يدخل الإيمان في قلوبهم، كما تقتضيه كلمة "لمّا"، ووعدهم أنهم إذا أطاعوا أثابهم، وأوعد ــ في غير هذه الآية ــ غيرهم ممن لم يؤمن بعد بلوغ الدعوة بالعذاب.

فثبت بذلك أن تصديق مدَّعي الرسالة واتباعَه لا يتوقف وجوبه على المعجزة القاطعة، بل قد يجب بدونها إذا كان معروفًا من المدعي الصدقُ والأمانة والخير والصلاح، ودعا إلى ما يتبين للعقول أنه حق، أو يترجح أنه حق، ولم يظهر من أقواله وأفعاله وأحواله ما ينافي النبوة.

وأما قول الآمدي (١): "إنه لا حجة على وجوب تصديق مدعي النبوة بغير معجزة"= فليس بمستقيم.

بل الحجة قائمة، وهي ما يعلمه الناس بفطرهم وعقولهم، وبما بلغهم من الشرائع المتقدمة، أن على الإنسان اتباع ما يترجح أنه حق واجتناب ما يترجح أنه معصية.


(١) "الإحكام" (٢/ ٧٣).