للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنشد بيت البردة:

عدتكَ حاليَ .... (١)

فقلتُ: معناه: أخطأتْكَ، وبعُدتْ عنك.

فقال: كلّا.

فإشفاقًا للمِراء بذلك المقام قلتُ: هذا المعروف المتبادر إلى الذهن.

فقال مولانا ــ أيَّده الله ــ: بل هو الحقُّ، وادّعاءُ غيره غلط، ووضَّح

ــ أيَّده الله ــ معنى البيت بلفظه، ثم أتمَّ المنشِدُ قصيدتَه.

وكنتُ قد قدّمتُ تهنئتي لمولانا ــ أيَّده الله ــ قبل ذلك، وكان ذلك المجلس أهلًا لأنْ تنشد فيه قصيدة. فقلتُ في نَفْسي ــ أوَّلًاـ: قد كفينا (٢).

فلمّا رأيتُ قصيدته وأثرها حاولتُ ارتجال أبيات مناسبة، فلم يَتَيسَّر إلا ثلاثة أبيات ــ ستأتي ــ فاستأذنتُ مولانا بقولي: ثلاثة أبيات حضرتْ.

فقال: فرَّطْتَ كما أفرطَ السيد علي؛ لأنَّ قصيدته زهاء الستين بيتاً، والبيتُ عبارة عن أربعة أشطر.

فقلتُ في نفسي: حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، وربَّ ليلةٍ خير من


(١) المراد بالبردة قصيدة البوصيري الميمية المعروفة، وهذا البيتُ منها وتمامه:
عدتك حاليَ لا سرّي بمستتر ... عن الوشاةِ ولا دائي بمُنْحَسِمِ
(٢) جعلها د/ أبو داهش أسلوب استفهام هكذا: أَوَلا قد كُفينا؟ والذي يظهر أنها خبرية و (أوّلًا) بمعنى الأوليّة منصوب، والدليل على هذا ما جاء في السياق نفسه: فقلت في نفسي: حسبك من القلادة ... إلخ.