للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عجبتُ من قائلٍ يدَّعي الكمال في علمه! "لا عداك السوء بمعنى: لا أصابك، فلم تنطق به العربُ" وكيف لا؟ وقد تكلَّم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ في خطبةٍ خطبها وهي هذه: "عبادَ الله أين الذين عُمِّروا فنَعِمُوا، وعُلِّموا ففَهِمُوا، وأُنْظِروا فَلَهُوا، وسَلِمُوا فَنسُوا، أُمْهِلوا طويلًا، ومُنِحُوا جميلًا؛ فعداهم الموتُ غِرًّا، واستاق عائلهم مرًا؛ فكانت عبرةً لمن خَلَف، وعِظَةً لمن سَلَف ... إلخ" (١).

قال الشريف الرضي (٢): قوله فعداهم الموتُ أي: هَجَم عليهم وأفناهم، وبابُه: (جفا يجفو)، وقوله: غِرًّا أي: على حين غفلة.

وقال الإمام علي بن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ في محلٍّ آخر يمدح الأنصار والمهاجرين: "ولا تعدو على عزيمةِ جِدِّهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هِمَمهم خَدائع الشهوات فاتخذوا ذا العرش ذخيرةً ليومِ فاقَتِهم، ويمَّموه عند انقطاعهم ... إلخ" (٣).

قال الشريف الرضي: قوله: "ولا تعدو على عزيمةِ جِدِّهم بلادةُ الغفلات: أي: لا تصيبها، ولا تصحبها لعلوِّ شأنهم، وكثرة هِمَمهم العالية .. مع كلامٍ ذكره في نهج البلاغة.


(١) نهج البلاغة بشرح محمد عبده (١/ ١٤٥).
(٢) أبو الحسن محمد بن الطاهر الحسيني الموسوي البغدادي الشاعر، صاحب الديوان، له نظم في الذروة حتى قيل: إنه أشعر الطالبيين، مات سنة (٤٠٦ هـ) وقيل غير ذلك.
راجع سير أعلام النبلاء (١٧/ ٢٨٥)، ووفيات الأعيان (٤/ ٤١٤).
(٣) نهج البلاغة (١/ ١٧١)، وما ساقه من كلام الرضي لا وجود له في النهج.