للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طالما سمعتم المواعظَ، فلم تلتفتوا إليها. وطالما مُحِضْتُم النصائَح، فلم تُعوِّلوا عليها. كم قامت عليكم الحججُ بالإشارات والعبارات، وزُجِرتُم عن المعاصي بألسنة الحالات والمقالات! وطالما أُرْشِدتم إلى الحق فصدَفْتُم، وهُدِيتمُ منهجَ الصواب فما عرفتم! وطالما أُمرِتُم ونُهِيتُم فما ائتمرتُم ولا انتهَيتم! وطالما تسَّوفْتم بالتوبة فمطَلتم! وطالما علَّلتم أنفسَكم بالأماني وما وفَيتم!

كلَّما صرَخَ فيكم رائدُ المَنون، ودَهَمكم عن أيمانكم وشمائلكم، وفاجأكم في إخوانكم وأولادكم؛ طويتم عنه كشحًا، وأعرضتم عنه صفحًا، كأنَكم عُمْيٌ صُمٌّ لا تعقِلون، أو أُعطِيتُم بالبقاء عهدًا، فأنتم آمنون!

وطالما أنذرَتْكم قوارعُ المصائب فتهاوَنتم، وطالما حذَّرتْكم قوامعُ النوائب فتثاقَلتم. كلَّ جمعةٍ تقوم فيكم الخطباءُ بمواعظها، فلا يفيدكم ذلك مفادًا. وكلَّ ساعةٍ تصولُ وتجولُ فيكم شواهدُ الأكوان بمشاهدها، فلا تزيدكم إلا عتوًّا وعِنادًا.

كأنما تظنُّون الوعدَ والوعيدَ زُورًا ومحالًا، أو تعتقدون الحلال حرامًا والحرام حلالًا، وتستيقنون الضَّلال رشادًا والرَّشاد ضلالًا، أو تحسبون إمهالَ الله لكم إهمالًا! كلَّا، والله، إنَّ في البرزخ لأهوالًا، وإنَّ في المحشر لأوجالًا، وإنَّ في جهنَّم لسلاسِلَ وأغلالًا.

فلا، والله، إنَّ لكم لَعُقولًا ثِقالًا، وقد رزقكم الله من حواسِّكم كمالًا؛ ولكن طاعةَ النفسِ والشيطان واتباعَ الهوى (١) كانت داء عُضالًا. ولو كنتم


(١) رسمها في الأصل: ""الهوا".