للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظاهرًا للعلماء والجهَّال؟ من ذا الذي ترونه فاز بالبقاء، أو أمِنَ تقلُّبَ الدهر به مِن حالٍ إلى حال؟

هذه أخبارُ الأمم قبلكم تقرؤونها وتعرفون ما فعلَتْ بهم نوائبُ الأيام واللَّيال. أفلا تعتبرون بمن كانوا أطولَ منكم أعمارًا، وأكثرَ منكم أنصارًا، وأشدَّ تنافُسًا في الأبناء والأموال. ذهبوا، فلم يبقَ إلا ذكرُهم، وسيُفعَل بكم كما فُعِل بهم، وأنتم مشتغلون بالزُّور والمِحال. أصبحوا في بطون الأجداث رممًا باليةً وترابًا، ولَقِيُوا (١) جزاءَ ما قدَّموا ثوابًا أو عقابًا؛ فبعضُهم بالأساور، وبعضُهم بالأغلال. قد انكشفت الأرض عن عظامهم، وداسها الأحياء بأقدامهم، وذهبت بها الرياحُ والمياهُ عن يمين وشمال.

وحيثُ لا مناصَ لكم عن المصير إلى ما صاروا إليه، والقدومِ على ما قدِموا عليه، فاعمُروا آخرتَكم بصالحِ الأعمال. فاتَّقوا الله في السرِّ والعلانية، وأصلِحوا نيَّاتِكم وأفعالَكم تكونوا من الفرقة الناجية، وقصِّروا يا قِصارَ الأعمار طِوالَ الآمال، وطوِّلوا يا طِوالَ الغفلاتِ قصارَ الأعمال.

أيها الإنسان، كم غدرَت بك الدنيا مرةً بعد أخرى، وقلَّما منَّتْكَ بنحوٍ من رغدٍ فسلبَتْه قهرًا (٢). وكذلك غيرُك، كما تشاهده في الماضي والحال، وستراه في الاستقبال. وأنت مع ذلك مُصِرٌّ على الجِدِّ في الطلب، مرتكبٌ في سبيل الأطماع أشدَّ العَناءِ والتَّعَب، تُعلِّل نفسَك بما تعلم أنه كذبٌ ومحضُ محال.


(١) كذا هنا وفي الخطبة (٦٠).
(٢) "بنحو من رغد" كذا قرأت، وفي نفسي شكٌّ منها. ومقتضى السياق: "إلا سلبته".