للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(٥٣)

[ل ٦٢] الحمد لله المحمودِ بنعمته، المعبودِ بقدرته، المشهودِ بوحدانيته، أحمدُه حمدًا يُوافي نِعَمَه، ويُكافئ مزيدَه، ويُدافع نِقَمَه. وأشهد ألَّا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد، فأوصيكم ــ عبادَ الله ــ ونفسي بتقوى الله. عبادَ الله، إنما خلقكم الله لِتعبُدوه، وإنِّما أقام الحجج لِتُوحِّدوه، وإنما أفاضَ عليكم نِقَمَه لِتَحمدوه. فما بالُنا عن ذلك مُعرِضين إعراضَ الغافلين، ولِلدَّار الآخرة ناسِين نسيانَ الجاهلين؟ فحتَّى متى هذا التغافلُ والتجاهلُ؟ وإلى متى هذا التكاسُل والتساهُل؟ كأنَّنا كنَّا غير مكلَّفين، أو من البقاء على يقين، أو في البعث شاكِّين، أو قد تكفَّل لنا بالسلامة ربُّ العالمين.

ألا، وإنَّ خير الأمل ما لم يكن سببًا للتقصير في العمل، وإنَّ أنفعَ النِّعَم ما لم يكن داعيًا إلى الوقوع في موجبات النِّقم، وإنَّ المحمودَ من هذه الدار ما لم يُلْهِ عن دار القرار. فانتبهوا ــ عبادَ الله ــ من سِنَة الغفلة، ولا تغترُّوا بهذه المهلة. وتزوَّدوا في (١) دنياكم لأخراكم، ومن محياكم لمماتكم. وقد عرفتم ما أوجَبَ الله عليكم فحافظِوا عليه، وما رغَّبكم فيه فلا تقصروا عنه، وما حرَّم عليكم فاجتنِبوه، وما رغَّبكم عنه فلا تتساهلوا فيه.

وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس. فمن اتَّقَى الشُّبُهاتِ فقد استبرأ لدينه


(١) كذا في الأصل.