للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونشهد أنَّ سيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه إلى الخَلْق، بكتابٍ أنزله بالحقِّ، ووسَمَه بالصدق، وحلَّاه بالرأفة والرفق، فأبلَغَ الحجَّة، وأوضَحَ المحجَّةَ، وشرَعَ الشَّرْعَ، وبيَّن الأصلَ والفرعَ.

وسكَتَ عما انفرَدَ الله بعلمه أو خصَّه به، فهدى الله به مَن هَدَى، وأضلَّ به من غوى واعتدى. ولم يكن ليهدي من أضلَّه الله، وسبقت عليه إرادتُه، وخَتَمتْ على قلبه قدرتُه، وكُتِبَ في الأزل شقيًّا، وحُتِم عليه أن يكون غويًّا. ولكن ليهديَ من أراد الله أن يهديه، ويُغوي من أراد اللهُ أن يُغويه، ويبلغَ الحجة، ويشرعَ الشريعة، ويُثابَ على ذلك فضلًا من الله تعالى. ولله في كلِّ شيء حِكمة، تُؤيِّد قضاءه وحُكمَه.

اللهم فصلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، الذي بالهدى ودين الحقِّ أرسلتَه، وبخِلال الكمال خلقتَه، وبمشاهد الملكوت حقَّقتَه. وعلى آله الأخيار، وصحابته الأبرار، والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد، فيا عبادَ الله، ما لي أراكم في بحار الغفلة سابحين، وفي فيافي الجهالة سائحين؟ كلَّما نعَقَ بكم حادي النفوس ازددتم عتوًّا ونفورًا، ولَجَّيْتم (١) في المعاصي عدوانًا وزورًا، متَّكلين على {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا}. صدقتم، هو الغفور الرحيم. أفتدرون أنه هو الذي تولَّى خلقكم، وكفَلَ لكم رزقكم، وأمرَكم بطاعته، وحرَّضَكم على عبادته؟ فسابِقُوا سائقكم إليه، قبل أن يسبق توبتَكم. واستعينوا به على عبادته عساه أن يُثبِّتَكم. وقصِّروا الأمل، فإنَّ الأملَ عدوُّ العمل؛ وبادروا بالطاعة قبلَ قيامِ الساعة. واتقوا الله في نِعَمه،


(١) يعني: لججتم.