للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي نسيَتْه المنونُ، فبقي سالمًا من نوائب الأيام والليال؟

قد كان مَن قبلكم أطولَ منكم أعمارًا، وأكثر منكم أنصارًا، وأشدَّ تنافسًا في الأبناء والأموال. ذهبوا، فلم يبقَ سوى ذكرهم، وسيُفعلَ بكم كما فُعِل بهم، وأنتم لاهون بطلب الزُّور والمِحال. أولئك هم في بطون الأجداث رِمَمًا وترابًا، قد لَقِيُوا (١) جزاءَ ما قدَّموه ثوابًا أو عقابًا؛ فبعضُهم بالأساور، وبعضُهم بالأغلال. قد انكشف الترابُ عن عظامهم، وداسَها الأحياءُ بأقدامهم، وذهبتْ بها الرياحُ والمياهُ عن يمين وشمال.

فاجعلوا ــ رحمكم الله ــ دنياكم لأخراكم، فذلك سبيلُ النجاة لأقصاكم وأدناكم؛ فإنَّ الأبرار لَفي نعيم، وإنَّ الفجَّار لَفي جحيم، بلا ريبٍ ولا إشكال.

واعلموا أنَّ الله قد أمرَكم بأمرٍ عظيم حكاه عنه وعن ملائكته، وحرَّضكم عليه لِتفُوزوا بفضله ورحمته، ولاسيَّما إنْ واظبتم (٢) عليه بلا فتور ولا مَلال. قال تعالى ــ ولم يزل قائلًا ــ تنبيهًا على قدر نبيِّه وتكريمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦]. اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّكَ محمد أفضل العالَمين، وعلى إخوانه من النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالحين.

وارضَ اللهمَّ عن صاحبه في غاره وعريشه، أوَّلِ مؤمنٍ من رجال أمَّته، خليفتِه على التحقيق: سيِّدِنا أبي بكر الصدِّيق.


(١) كذا في الأصل هنا وفي الخطبة (٣٤).
(٢) رسمها في الأصل بالضاد.