للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد بن يزيد المبرّد البصريّ الأزديّ، أبو العباس (١).

كان أعلم أهل زمانه بالنّحو والغريب، حدّث أحمد بن حرب (٢) أنّ المتوكّل قرأ بحضرة الفتح بن خاقان قوله تعالى: {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ} (٣) بفتح الهمزة، فقال له: بالكسر، فتتابعا على عشرة آلاف دينار، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلّبيّ، فقال: يقبح أن يخلو باب أمير المؤمنين من عالم يرجع إليه. فقال المتوكّل: سلوا لنا من أعلم الناس بالنّحو؟ فقيل له: أبو العباس المبرّد بالبصرة، فأمر بإحضاره، فأشخص مكرّما، قال المبرّد: فلمّا وصلت سرّ من رأى أدخلت على الفتح بن خاقان، فقال: يا بصري، كيف تقول {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ} بالفتح أو بالكسر؟ فقلت: بالكسر، وهو الجيّد المختار، وذلك أنّ أوّل الآية {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} باستئناف جواب الكلام المتقدّم، قال: صدقت. . وركبت إلى دار أمير المؤمنين فعرّفه قدومي، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه، فأمر بإحضاري، فلمّا وقعت عين المتوكّل عليّ، قال: يا بصري، كيف تقرأ هذه الآية {وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ} بالكسر أو بالفتح؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أكثر الناس يقرءونها بالفتح. فضحك المتوكّل وقال: أحضر يا فتح المال، فقال: يا مولانا، والله قال لي بخلاف ذلك. فقال: دعني من هذا وأحضر المال، فلمّا خرجت أتتني رسل الفتح فأتيته، فقال: يا بصري، أول ما ابتدأتنا به الكذب، فقلت: ما كذبت والله، قال: وكيف وقد قلت


(١) ترجمته في: طبقات الزبيدي:١٠١، والفهرست:٩٢، وتاريخ بغداد:٣/ ٣٨٠، والمنتظم:٦/ ٩، ومعجم الأدباء:٢٦٧٨، وإنباه الرواة:٣/ ٢٤١، ووفيات الأعيان: ٤/ ٣١٣، وسير أعلام النبلاء:١٣/ ٥٧٦، والوافي بالوفيات:٥/ ٢١٦، ولسان الميزان: ٥/ ٤٣٠، والنجوم الزاهرة:٣/ ١١٧، وبغية الوعاة:١/ ٢٩٦.
(٢) أحمد بن حرب المهلبي صاحب الطيلسان ينظر في: إنباه الرواة:٣/ ٢٤٣، وله أخبار في زهر الآداب:٢/ ٥٩١.
(٣) الأنعام: آية ١٠٩.

<<  <   >  >>